بقلم - طارق الشناوي
لو سألتنى عن أعظم ما كتبه شعراء الأغنية عن الحب الذى يتحدى النسيان، سوف أقول لك طبقا للتتابع الزمنى أحمد رامى (بافكر فيك وأنا ناسى) غناء أم كلثوم، مأمون الشناوى (لو كنت يوم أنساك / إيه أفتكر تانى) عبد الحليم، وعبد الوهاب محمد (فكرونى إزاى / هو أنا نسيتك) أم كلثوم.
قبل يومين مرت ذكرى رحيل شاعرنا الكبير الذى قدم للمكتبة الغنائية أروع الأغنيات التى شغلت ولا تزال مساحة فى وجداننا أنه القائل (القرب أساه ورانى/ البعد أرحم بكتير).
سوف أبدأ معكم بحكاية فارقة فى حياته، عندما قرر شاعرنا الكبير الاعتزال، عام 60، قبل أن تشدو أم كلثوم بأغنية (حب إيه) وكان وقتها لم يبلغ الثلاثين من عمره.
الصدفة هى التى مهدت الطريق للأغنية لتستقر على حنجرة أم كلثوم، كتبها «عبد الوهاب محمد» لتغنيها نجاة لم تقتنع، وقرر «بليغ حمدى» أن يقدمها للمونولوجست ثريا حلمى، بالكلمات إحساساً ساخراً حتى استمعت إليها أم كلثوم بالصدفة.. ولكن قبل أن تغنيها ادعى شاعر شاب آخر، وهو محمد زكى الملاح، أنه صاحب الأغنية وأقام دعوى قضائية، وعاش «عبد الوهاب محمد» لحظات عصيبة وكاد أن يعتزل.. ولم ينقذ الموقف إلا أنه قد سبق له نشر كلمات الأغنية فى مجلة (الجيل)، وخسر «الملاح» القضية، ويومها اعتذر لعبد الوهاب محمد قائلاً إنه أراد أن يحقق الشهرة لنفسه فأقام هذه الدعوى، وعلى الفور قدمت «أم كلثوم» أغنية «حب إيه» واتفقت مع «عبد الوهاب محمد» على أن تغنى له «أنا وأنت ظلمنا الحب»!!
وكلمات «ظلمنا الحب» المليئة بالشجن النبيل لم تكن «أم كلثوم» هى أول من تستمع إليها، كتبها «عبد الوهاب محمد» فى منزل صديقه «بليغ حمدى» وأعاد عليه الكلمات فى جلسة تضم وحش الشاشة الملك «فريد شوقى»، ويومها بكى «الملك» وهو يستمع إلى (ما حدش فينا كان عايز / يكون أرحم من التانى / ولا يضحى عن التانى)، فى تلك السنوات - مطلع الستينيات - كان «فريد شوقى» مرتبطاً بالزواج من الفنانة هدى سلطان، وبينهما سوء تفاهم، ولم يكن لا هو ولا هدى يريد أن (يضحى عن التانى)، وجاءت الكلمات تعزف على الجرح!!.
كان «عبد الوهاب محمد» صديقاً لبليغ وصديقاً لعبد الحليم ورغم ذلك لم يلتق معه فنياً.. «عبد الوهاب» كان يعلق قائلاً إن «عبد الحليم» فى الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان مرتبطاً بالشعراء «مأمون الشناوى»، «مرسى جميل عزيز»، «حسين السيد» وكانوا يقدمون معه أغنيات تثير إعجابه، كان يكتفى بالاستماع إليها، وبعد ذلك فى نهاية الستينيات والسبعينيات كان يلاحظ أن «عبد الحليم» يتدخل فى كلمات الأغانى، ولهذا آثر هو الابتعاد، إلا أن هناك أغنية لحنها «بليغ» من كلمات «عبد الوهاب محمد» ليغنيها «عبد الحليم حافظ»، (فكرونى)، ولكن «عبد الحليم» كانت له ملاحظات على عدد من الكلمات، اعتبرها (كلثومية) المذاق على المستويين الشعرى واللحنى، وطلب إجراء بعض التغييرات، ولم يقتنع عبد الوهاب محمد وذهبت الكلمات إلى الموسيقار «محمد عبد الوهاب» لتغنيها «أم كلثوم»، وتردد كلمات «القمر من فرحنا ح ينور أكتر / والنجوم ح تبان لنا أجمل وأكبر/ والشجر قبل الربيع ح نشوفه أخضر)، ولم ينس عبد الحليم أبدا أن واحدة من الأغنيات إلى أنتظرها ذهبت إلى أم كلثوم، ولم ينس بليغ أن الكلمات التى لحنها بإحساسه ذهبت لعبد الوهاب، المؤكد أن (فكرونى) أغنية عصية على النسيان.
لكل شاعر قصة حب وملهمة وأحيانا قصص وملهمات، أم كلثوم أشعلت إبداع أحمد رامى، ومن الممكن أن تجد لطيفة هى التى أشعلت فى السنوات العشر الأخيرة من حياة شاعرنا إبداعه، فكانت لا تغنى تقريبا إلا كلماته، سألت «لطيفة»، قبل خمسة عشر عاما، عن الحقيقة، أكدت أنها كانت ولا تزال قريبة له وللعائلة بعد رحيله، وأنه كتب لها أصدق المشاعر كتبها لها ولم يكتبها عنها.
ذكرى عبد الوهاب محمد أعادته للذاكرة (فكرونى إزاى / هو أنا نسيتك)؟!.