بقلم - طارق الشناوي
عندما أرى دُنيا سمير غانم، فى أى عمل فنى، أرى أيضا فى نفس الوقت، أننا لا نزال نقرأ الصفحات الأولى من كتاب يخبئ الكثير من الفصول، دُنيا قادرة دوما على إدهاشنا وإنعاشنا.
مغامرة بكل المقاييس أن تنتج عملا مسرحيا فى ظل حالة الانحسار الذى يعانى منها مسرحنا عموما والخاص تحديدا، والشعار السائد هو الاستسلام لإسدال الستائر، بعد رحيل سمير غانم وتوقف عادل إمام وعدم إخلاص محمد رمضان، توقف القطاع الخاص باستثناء تجارب مسرح مصر بقيادة أشرف عبد الباقى إلا أنها أقرب لقالب (الاسكتش) الفكاهى منها للمسرح.
الرهان على دنيا سمير غانم بطلة محورية فى (أنستونا)، أراه مؤشرا صحيا وصحيحا من المنتج الشاب محمد أحمد السبكى، دُنيا بئر عميقة، كلما أخذت منها رشفات، تشعر بحنين جارف للمزيد، إنها مجموعة من المواهب المتعددة تمثيلا وغناء ورقصا، تبهرك فى كل الأنماط، المخرج القدير خالد جلال أحاط بتلك الموهبة متكئا على ضبط الإيقاع، وفى كل مشهد داخل العرض لديه رهان مختلف، خالد يملك ترمومترا سحريا، يتوقف فى اللحظة التى يقترب فيها لمرحلة التشبع، يغادر الموقف الكوميدى من مشهد إلى آخر والجمهور يقول له أعد.
المسرحية كتبها كريم سامى وأحمد عبد الوهاب، تنويعة بنحو ما على (بيجماليون)، اجتهادات هنا وهناك من كل الأطراف لبعث الحياة فى النص، ولكن لن تعثر على مغامرة إبداعية أو ابتكار، يعتمد النص على قدرة ممثليه فى بعث الحياة فى المشاهد الكوميدية التى سبق مشاهدتها، إلا أن مؤلفى المسرحية لديهما موهبة لافتة فى فن الأداء الكوميدى، تتفوق على فن الكتابة، رسما على الورق الشخصية دراميا، لديهما حضور ولمعان على خشبة المسرح لا يمكن سوى أن تتوقف عنده، وقطعا لا يكفى أن يكون الكاتب هو المؤدى لتفجير الضحك، بل العكس أحيانا يصبح هو الصحيح، رؤية الممثل خارج النص المكتوب ممكن أن تضيف شيئا، أهم دورين تمت صياغتهما على الورق بشكل جيد هما مؤلفا الموسيقى واللغة، وكل منهما لديه رغبة فى تعليم البطلة (زلابية) حفيدة (كاميليا)، التى تستعد للانطلاق فى الحياة الفنية إلى بؤرة الشهرة والنجاح، من خلال انتقالها من الحى الشعبى إلى النجومية.
عندما تشاهد نصا كوميديا لا يدّعى الكثير، يبقى الرهان على المتعة والطاقة الإيجابية التى تنجح المسرحية فى تقديمها للجمهور، ولدينا من الأسلحة أشعار أيمن بهجت قمر وألحان عمرو مصطفى.
الكبيران بيومى فؤاد وسامى مغاورى يحيطان دنيا بقدر من الدفء، وأيضا يقف معها كريم عفيفى وعمرو عبد العزيز ومريم السكرى، الهدف هو تدشين دنيا سمير غانم نجمة مسرحية قادمة، ليس لدينا الكثير من النجمات فى هذا المجال، وعبر التاريخ، تستطيع أن تحصى ببساطة نجمات الشباك فى المسرح الكوميدى، كانت البداية مع مارى منيب، وبعد رحيل الريحانى تحديدا صارت هى التى تشكل القدرة على الجذب، ثم نتوقف أمام النقلة المحورية التى حققتها شويكار، البداية تحت المظلة الجماهيرية لفؤاد المهندس، ثم أصبحت شويكار تتحمل بمفردها البطولة، سهير البابلى قطعا نقطة فارقة، ثم إسعاد يونس.
دنيا تلعب فى مساحة تتعانق فيها أكثر من موهبة، لديها حضور شويكار وجاذبية وطغيان سهير البابلى وخفة ظل وتلقائية إسعاد، ويضاف لها قدرتها فى الغناء والرقص والاستعراض.
(أنستونا) نجح فى تعميد (دنيا سمير غانم) نجمة شباك للمسرح، وهذا هو بالضبط المطلوب!!.