لا أرتاح إلى توصيف الانحياز حتى لو كان له أحيانًا وجهه الإيجابى، أُُفضل أكثر أن نتوجه إلى مؤشر للعدالة، المعصوبة العينين.
بين الحين والآخر تتداخل عوامل متعددة تدفعنا للاستعانة بـ(ترمومتر) اسمه (المرأة)، نسبة النساء مثلًا فى أى قطاع فى الحياة كلما ارتفعت ارتفع معها أيضًا الإحساس بتطبيق العدالة، علينا ألا نستسلم فى المطلق لهذا (الترمومتر) بأنه بزاوية ما يظلم بنات حواء، خاصة فى مجال الإبداع، نتذكر صلاح جاهين (البنت زى الولد / ماهيش كمالة عدد)، المرأة تحصل على الجائزة لأنها الأفضل، (وفى الاحتمال والجلد مذكورة فى المعجزات).
سعدت بأن هذا العام فى مهرجان (كان) الدورة رقم 76 التى تفتتح بعد 48 ساعة، تتواجد 6 نساء بأفلامهن بين 19 فيلمًا بينهن التونسية كوثر بن هنية (بنات ألفا).
مهرجان (كان) ينحاز للمرأة أم للإبداع؟ هناك نسبة نسائية معتبرة فى الأفلام وأيضًا لجان التحكيم، كما أن المهرجان يطبق قاعدة (5050) والتى تعنى أن النساء داخل هيئته التنظيمية لا يقل عددهن عن النصف.
كثيرًا ما أعلنت النساء الفرنسيات الغضب ضد (كان) المتهم بالتعصب الذكورى، خاصة لو تمت مقارنته بمهرجان (برلين)، الذى حرص خلال السنوات الأخيرة على زيادة نسبة التواجد النسائى، وفى المسابقة الرسمية يقترب عدد النساء والرجال، كما أن (دب) برلين الذهبى لأفضل فيلم، كثيرًا ما ذهب فى السنوات الأخيرة للنساء.
هل فى الفن والأدب رجل وامرأة؟ أنا أقرأ باستمتاع للعديد من الكاتبات وأتابع عددًا من المخرجات المبدعات.
أحاديثهن لا تحمل أى مشاعر تدخل تحت طائلة الإحساس بالقهر أو الظلم، بقدر ما تستشعر أنهن يمتلكن موهبة فرضت نفسها، المعاناة، لو حدثت، ليست لكونها امرأة، ولكن لأنها قررت احتراف مهنة، لا يزال قسط وافر من المجتمع العربى يتحفظ بالاعتراف بها.
كثيرًا ما يتردد هذا التعبير، تمكين المرأة ومنحها (كوتة)، أى نسبة إجبارية، فى كل التنظيمات والتظاهرات.
المرأة تبدو عالميًّا وليس فقط عربيًّا أو مصريًّا، وقد توارت عن الصدارة فى أفيشات الأفلام، فهى تحصل على الأجر الأقل من الرجل، بينما لو عدت للسينما المصرية تكتشف أن ليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسنى كنّ الأعلى أجرًا، وهن اللاتى تتصدر أسماؤهن شباك التذاكر، ناهيك عن خصوصية السينما المصرية، والتى قامت على أكتاف نساء مثل عزيزة أمير وبهيجة حافظ وأمينة محمد وآسيا ومارى كوينى وفاطمة رشدى.
المبدع بالدرجة الأولى يتجاوز حدوده الجغرافية والبيئية والعرقية والدينية والجنسية ليصل إلى العمق وهو الإنسان!.
الإبداع يستمد وقوده من العقل البشرى، الذى لا يفرق بين رجل وامرأة، أتفهم فى المسابقات الرياضية أن يتم هذا الفصل بين المرأة والرجل، ولكن لم يحدث أن تم رصد جائزة فى (الأوسكار) لأفضل مخرجة أو كاتبة أو مونتيرة، الجائزة التى تحصل عليها المرأة تتحقق قيمتها، لأنها اقتنصتها من الجميع نساء ورجالًا، هناك اتجاه فى جائزة التمثيل لإلغاء التصنيف الجنسى بين الرجل والمرأة لتصبح جائزة تمثيل واحدة للجنسين بدأها مهرجان (برلين) قبل عامين، ولا أستبعد أن تصبح قاعدة فى كل التظاهرات والمهرجانات.
المرأة حظيت بجوائز فى أكبر المهرجانات، وفى أهم مسابقة مثل (الأوسكار)، فازت بها المخرجة كاثرين بيجيلو عن فيلم (خزانة الآلام) قبل خمسة عشر عامًا، وقبل عامين كانت من نصيب الصينية كلوى تشاو عن (أرض الرُّحل).
قبل 5 سنوات وفى مهرجان (كان) أطلقت المخرجة نادين لبكى زغرودة لبنانية فى قاعة (لوميير) بعد فوز فيلمها (كفر ناحوم) بجائزة لجنة التحكيم، وأنتظر فى 27 مايو عند إعلان الجوائز أن أستمع إلى المخرجة كوثر بن هنية مع هند صبرى بطلة فيلم (بنات ألفا) فى زغرودة تونسية!.