بقلم - طارق الشناوي
للحب وجهان مثل كل شىء فى الحياة تراجيدى وكوميدى، ولهذا قال الفيلسوف الفرنسى بيرجسون (إن الحياة ملهاة كوميدية لمن يفكرون ومأساة تراجيدية لمن يشعرون)، والشاعر الغنائى الكبير «حسين السيد» كان قادرا على أن يعبر غنائيا بإبداع وألق عن وجهى الحياة والحب المتناقضين.
(ييجى أبويا يعوز فنجان قهوة/ أعمله شاى وأديه لأمى/ وخيالك ييجى على سهوة/ ما أفرقش ما بين خالتى وعمى)!!، هل رأيتم سخرية أكثر من ذلك؟ هكذا غنت «شادية» «مين قالك تسكن فى حارتنا».. استمعوا إلى هذه أيضاً (ليك ماضى كله سوابق/ فى الحب مالهش أمان/ وأنا عايزه حب حنين/ مش حب يودى لُمان)، لو عرضت مثل هذه الكلمات على الرقيب د. خالد عبد الجليل سيوافق عليها، وإذا وافق، هل سيرحب المجتمع ؟!!.
لأول مرة تستخدم هذه الكلمات فى أغنية عاطفية شعبية هكذا رددت «شريفة فاضل» فى «حارة السقايين» هذا هو الوجه الضاحك من الحب تابعوا كيف عبر شاعرنا الكبير عن شجن الحب.. (القصور اللى كلامك كان بنيها/ واللى كل جواب فرش لى ركن فيها)، هكذا غنت «نجاح سلام» فى «عايز جواباتك»، أو محمد عبد الوهاب وهو يغنى «وعشق الروح مالوش آخر»، أو ليلى مراد وهى تقول (ياللى تقول الآه آه منك).
مر قبل بضعة أيام الذكرى الأربعون لرحيل الغنائى الكبير «حسين السيد»، صاحب الرصيد الأكبر عدداً وعدة فى مكتبة الأغانى العربية، فلم يترك شاعرنا مجالًا غنائيًا إلا وكانت له بصمته المتفردة، عرفت الشاعر الكبير فى سنواته الأخيرة، وكنت دائماً ما أحرص على أن أتجول معه من مبنى التليفزيون حتى مكتبه، حيث كان يقطن بوسط المدينة.. أجمل رحلاتى سيراً على الأقدام هى تلك التى أصحبه فيها أستمع إلى حكاياته عن تاريخنا الغنائى والفنى.. وكان له السبق فى تأليف أغانى الأطفال مثل (ماما زمانها جاية) ونكتشف أنه كان يداعب ابنته بهذه الكلمات عندما كانت تبكى بسبب تأخر والدتها أستاذة الأدب الفرنسى، لتصبح أشهر أغنية للأطفال، ومن خلال الحواديت التى كان يرويها لأطفاله كتب أيضاً لمحمد فوزى «ذهب الليل».. أما أعمق أغنية للأم «ست الحبايب» فاستلهم كلماتها من والدته التى كانت تطلق عليه كنوع من المداعبة «ست الحبايب»، والغريب أن الخاطر الشاعرى عندما ألح عليه لم يستطع أن يلاحقه بالورقة والقلم، فكان يكتب شطرة شعرية ويملى زوجته شطرة أخرى.. أطلق على كل أبنائه أسماء تبدأ بحرف الحاء «حمدى»، «حميدة»، «حميد»، بينما هو «حسين» فأصبحت إمبراطورية «حاء» على غرار إمبراطورية «ميم» لإحسان عبد القدوس.. لم ينس فى أغانيه أن يذكر اسم زوجته «د. نعيمة» فكتب مداعبا (عليكى خطوة يا «نعيمة»/ لو شافها مخرج فى السيما/ يعملك فيلم عليه القيمة) فى «كايدة العزال» التى غنتها «عايدة الشاعر»!!.
دخل عالم الأغنية من باب حبه للتمثيل، فكان واحدا من الكومبارس الذين سعوا للاشتراك فى فيلم «يوم سعيد» فى مطلع الأربعينيات، بطولة محمد عبد الوهاب، واستمع بالصدفة إلى مخرج الفيلم «محمد كريم» وهو يقترح على عبد الوهاب أن يقدم أغنية على إيقاع أقدام الخيل، فقال له عبد الوهاب إنه قرأ كلمات أكثر من أغنية ولم يجد فيها المطلوب، فما كان من حسين سوى أنه فى اليوم التالى تقدم بأغنية «إجرى إجرى» لتحدث توأمة غنائية بينه وبين عبد الوهاب، كتب له ما يزيد عن 70% من أغانيه، سواء التى قدمها بصوته أو لحنها لآخرين.
غنى له الجميع ما عدا «أم كلثوم»، لا أحد يستطيع أن يعرف السبب بدقة.. شاعر كبير ومطربة عظيمة تواجدا فى نفس الزمن، من الممكن مثلاً أن نذكر أن علاقته بعبد الوهاب صنعت بينه وبين «أم كلثوم» جفوة لأنه كان شاعره الملاكى، إلا أن «عبد الوهاب» لحن لأم كلثوم عام 1964 «أنت عمرى»، وقدم لها بعد ذلك عشر أغان لكبار الشعراء ما عدا «حسين السيد».. تحليلى الشخصى أنه لم تحدث كيميائية بين أشعاره وصوت «أم كلثوم». سألته فقال لى إن أم كلثوم تتدخل فى الكلمات ولهذا لم يكتب لها فى حياتها، ورغم ذلك كتب بعد رحيلها مرثية غنائية حملت اسم «أم كلثوم»!.