بقلم - طارق الشناوي
فى برنامج (كلمة أخيرة) للإعلامية لميس الحديدى مع ابنة سيد مكاوى دكتورة أميرة والباحث الموسيقى محمد شوقى والعبدلله، كانت المظلة هى ألحان سيد مكاوى.
السؤال الذى كان يشغلنى وعبدالحليم على قيد الحياة، وظل يشغلنى فى حياة سيد مكاوى، ولم يتوقف عن التردد بعد رحيله، لماذا لم يغن عبدالحليم من ألحانه، غنى لسيد مكاوى من أحمد عدوية إلى أم كلثوم، ولا أقصد التقليل أبدا من عدوية على العكس تماما، ولكنى أردت التأكيد على التنوع الذى تمتلكه ألحان سيد مكاوى؟.
واكبت بدايات سيد مكاوى نجاح عبدالحليم الطاغى، سيد مكاوى كان يردد أن عبدالحليم لديه ملحنوه، يقصد طبعا جيله كمال الطويل ومحمد الموجى ومنير مراد وبليغ حمدى، ولم يشأ أن يدخل مع تلك المجموعة الرائعة، قال سيد مكاوى إن عبدالحليم طلب منه أن يلحن له وهى حقيقة لا أشك أبدا فى صدقها، إلا أنه لم يتقدم بلحن وهى حقيقة تتوافق مع ذكاء سيد مكاوى، فهو قرأ بالضبط ما الذى من الممكن أن يحدث لو أنجز هذا اللحن.
هناك معضلة، أدركها سيد مكاوى، عبد الحليم ليس مجرد صوت جميل يردد أغنية جميلة الكلمات والنغمات، عبد الحليم يقدم أغنية تشبه فقط عبد الحليم، ولا تشبه أحدا سواه، عندما يكتب الشاعر لعبدالحليم فهو يكتب (حليم)، من هو الذى من الممكن أن يقول غير حليم وتصدقه (لو كنت يوم أنساك/ إيه افتكر تانى) هكذا كتبها أحد أهم وأكبر شعراء الرومانسية فى الأغنية مأمون الشناوى.
شاعر كبير بحجم مرسى جميل عزيز كان يكتب الشعبيات الناجحة لعبدالعزيز محمود مثل (يا مزوق يا ورد فى عود/ والعود استوى) و(كعبه محنى) عندما كتب لعبدالحليم فى فيلم (أيامنا الحلوة) ضبط أحاسيسه على موجة عبدالحليم (يا قلبى خبى/ لا يبان عليه)، نقلة 180 درجة من عبدالعزيز محمود إلى عبدالحليم، الموجى عندما التقى عبدالحليم وجد فيه صوته الذى يبحث عنه.
وتوقف عن الغناء، الطويل لم يكن يلحن أغنية جميلة لحليم كان حليم بالنسبة له هو المنبع والمصب، غنى عبدالحليم لصلاح جاهين أنجح الأغنيات الوطنية، ورغم ذلك لم يردد أبدا، أى أغنية عاطفية لصلاح جاهين الذى مارس الكتابة الرومانسية لأصوات مثل نجاة وصباح وفايزة، تأملها، تكتشف أن أغنيات صلاح جاهين حتى العاطفى منها تحمل قدرا من المشاعر الجماعية فى التعبير، حليم يبحث فقط عن الخاص.
سيد مكاوى يلحن بحضور طاغ لصوت سيد مكاوى ولو فصلت أسلوب أداء المطرب عن اللحن لن تشعر أبدا وقتها بكل جمال الجملة الموسيقية.
لا أعتقد سوى أن سيد مكاوى أدرك ذلك مثلما أدركه أيضا عبدالحليم ولكن لا أحد منهما باح للآخر بالحقيقة (المسكوت عنها).
ألحان سيد مكاوى لو حللتها ستجدها عبارة عن ألوان متعددة تنسجم فيما بينها بقدر ما هى مبهجة، وهذه البهجة مصدرها الحقيقى وهو أداء اللحن بأسلوب سيد مكاوى.
تتذكروا الحالة الرائعة التى شاهدناها لأوبريت مسرح العرائس الشهير (الليلة الكبيرة) ملامح مميزة للدمى وحركة على المسرح وأضواء وألوان، وانتقال موسيقى وزخارف لحنية، عندما أمسك سيد مكاوى بالعود وغنى على المسرح منفردا (الليلة الكبيرة)، امتلك صوته كل الأحاسيس وقدم كل الشخصيات بألق يتجاوز ما شاهدناه على خشبة المسرح، عندما ردد (يا مسهرنى) التى لحنها لأم كلثوم بصوته انتقلنا معه إلى عالم آخر.
الكلمة واللحن فى أغنيات عبدالحليم يجب أن يصبحا من وإلى حليم، سيد مكاوى سيمنح عبدالحليم لحنا شعبيا (من سيد مكاوى إلى عبد الحليم) محققا جماهيرية طاغية بصوت عبدالحليم، ويحقق جماهيرية أكبر لو غناه سيد مكاوى، وتلك هى المعضلة التى لم أجد أمس الأول متسعا من الوقت لكى أتوقف عندها.