بقلم - طارق الشناوي
عرض فيلم (سطار) لأول مرة شهر ديسمبر الماضى، في مهرجان (البحر الأحمر)، خارج حدود المسابقة الرسمية، لم أشعر وقتها برغبة في مشاهدته، خاصة أن الجدول كان متخمًا بالعروض العالمية الأكثر جاذبية والتى تحمل قطعًا بالنسبة لى العديد من الأسباب الجوهرية تدعونى لكى أعيد جدول المشاهدة طبقا لما تفرضه علىّ طبيعة المهرجان، ولم أشعر وقتها أبدا بأننى ظلمت هذا الفيلم ولا غيره، لأننى أطبق مبدأ الأولويات.
عرض الفيلم تجاريا بالمملكة، نهاية العام الماضى، وصنف الثالث كأعلى إيراد بعد (توب جن) و(سبايدر مان)، وهو في نفس الوقت الأول عربيا. هذه هي أرقام 2023، العام الماضى، كانت هناك أفلام أخرى مصرية تفوقت رقميًا، مثل (بحبك) و(وقفة رجالة) و(عمهم) و(ماما حامل) كانت تعتلى قائمة الإيرادات. الكوميديا محليا تجد الرواج الأكبر، خاصة للأفلام الناطقة بالعربية، ويجب ملاحظة أن فيلم مثل (كيرة والجن)، والذى يعتبر مصريا، واحد من أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات أكرر (من أكثر) و(ليس الأكثر)، داخليا، إلا أن الأرقام في الخليج، وخاصة بالسعودية، لم تشهد لصالحه، الجمهور قطعًا هناك حتى المصرى لن تشغله كثيرًا وهو في الغربة إعادة حادث دنشواى، وتلك المذبحة التي لم تغادر الذاكرة، ولن يشعر بحنين لإعادة قراءة ثورة 19، برغم ألا أحد ينكر براعة المخرج مروان حامد والأداء المميز لنجوم الفيلم كريم عبدالعزيز وأحمد عز وهند صبرى وغيرهم، إلا أننى أتصور أن ما أسفرت عنه الأرقام في التوزيع الخارجى سيؤثر بقوة داخليا هناك معادلة فرضت نفسها على المنتجين في مصر، وهو ما يدفعنا إلى المطالبة بعودة دعم الدولة للسينما بطرق متعددة وليس فقط المادى المباشر.
عودة للفيلم السعودى في كل تفاصيله (سطار) رغم أن به أيضًا مشاركات عربية، إخراج الكويتى عبدالله العراك، وشارك في كتابته المصرى أيمن وتار مع إبراهيم الخيرلله الذي شارك أيضا في التمثيل مع عدد من النجوم السعوديين إبراهيم حجاج وعبدالعزيز الشهرى وعبدالعزيز المبدل وشهد الفقارى.
الملمح المهم في الفيلم أنه يقدم سعودى يعانى، وهناك صورة ذهنية عكس ذلك تماما رسختها الأفلام العربية، وخاصة المصرية، تجعل المعاناة- خاصة الاقتصادية- بعيدا تماما عن المواطن السعودى، وكأنه يعيش في برج عاجى.
الشخصيات كلها مكتوبة بإطار كاريكاتورى وليس فقط الأبطال، حتى يمنحها مذاقا واحدا، هناك دائما هذا الخط العام الذي تلمح فيه تلك المبالغات في رسم الشخصية، وهى مقبولة على هذا النحو لأنك كمتلقى تقرأها بعيون وقانون صانع العمل، لا توجد حالة من الاستظراف، ولكن هناك قطعا دعوة مبهجة للضحك، الفيلم أيضا حرص على ألا يسخر من أصحاب الأجساد المترهلة، وهو خيط رفيع أن تضحك مع الشخصية الدرامية لا أن تضحك عليها، الفارق شاسع حتى لا تفقد نصف جمهورك على الأقل الذي سيشعر وقتها بأنك تتنمر عليه.
بناء الفيلم يقع في إطار التصاعد وبلغة الموسيقى (الكريشندو)، أنت تتابع البطل الذي يريد أن يجمع أموالا وبأى طريقة لكى يرتبط بمن يحب، وتتعاطف معه، وهو يتحمل كل ذلك من أجل حبيبته، وفى كل مقطع تزداد شغفا بما يأتى في المقطع القادم، ينتقل من هزيمة إلى أخرى، ومن علقة ساخنة إلى أخرى، تزداد أنت تعاطفا مع البطل المهزوم، لأنه بالنسبة لك العاشق الولهان، ثم تأتى شفرة النجاح أيضا بوصفة أسطورية من جد البطل تؤكد له أن القوة بداخله وليست أبدًا في العضلات والنهاية السعيدة تصبح مستحقة.
شاهدت الفيلم مع الجمهور وضبطت نفسى أضحك من القلب، لأننى سلمت نفسى وفكرى للمخرج الذي فرض قانونه على كل التفاصيل.