بقلم - طارق الشناوي
ونحن نودع عاما بكل ما تركه من مساحات خوف وخسائر وهزائم، ونستقبل عامًا جديدًا يملؤنا الأمل أن يمنحنا الله الهدوء والسكينة، أتابع عشاق الموسيقار الكبير فريد الأطرش، وهم كُثر، إلا أنهم يشعرون- ولهم قطعا كل الحق- أن (الميديا) تحتفى أكثر بكل من أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب، بينما نصيب فريد إعلاميا يكاد لا يذكر.
فريد ودع الحياة في 26 ديسمبر 1974، وهو ما يجعل الإعلام يبدو مقصرا، هناك دائما رغبة في إحصاء الحالة الإبداعية بكل تفاصيلها خلال العام، وأمام صراع اختيار الأفضل والأسوأ، كما دأبت المحطات التليفزيونية والفضائيات، والصحافة، يخفت الاهتمام بفريد، ولهذا على مدى 48 عاما وفريد مظلوم إعلاميا.
لاحظت أيضا قدرا من الحساسية المفرطة يعيشه عشاق فريد، وإذا مثلا تابعوا برنامجا ولم يجدوا حفاوة تليق بفريد، قالوا إنها (الشوفينية) المقيتة، لأن فريد سورى الأصل، كما أنهم يضيفون بُعدا آخر وهو أن فريد درزى.
ولا أتصور أن مشاعر المصريين في عمقها تتأثر سلبا بهذين العاملين، باب مصر فتحه سعد باشا زغلول لعائلة الأطرش منذ أن بدأت ثورة الدروز ضد الاستعمار الفرنسى، وكانوا مطاردين، ومن بعدها سكن فريد وشقيقته أسمهان القلوب.
فريد يحمل أربعة جوازات سورى ومصرى ولبنانى وسودانى، حتى البلدان العربية التي لم تأت لها الفرصة لمنحه جنسيتها، تكتشف أن الناس منحته مسبقا الجنسية، وفى المطار يعامل كمواطن وليس كضيف، فريد حى يرزق بإبداعه، ولا تزال جمعية المؤلفين والملحنين تشير إلى أن ألحانه، سواء التي غناها بصوته أو بأصوات آخرين، تحتل الوجدان العربى.
من ينسى الربيع؟، فلا ربيع بدون فريد، منذ أن غناها عام 1949 في فيلم «عفريتة هانم»، بعد أن اعتذرت عنها أم كلثوم. قبل نصف قرن وجد التليفزيون المصرى، الوليد وقتها، لم يكن قد أكمل بعد عامه العاشر، إلا أنه وضع في مأزق وصار عليه الاختيار بين القمتين؟، هل ينقل حفل الربيع على الهواء الذي يحييه عبدالحليم؟، أم ينقل حفل فريد الأطرش؟، لم تكن الإمكانيات المتاحة تسمح بنقل أكثر من حفل واحد فقط. فلا وزير ولا رئيس وزراء يستطيع أن يحسم هذا الأمر الشائك، كان ينبغى أن ينتظروا الرئيس.
لم يغن أحد لعبدالناصر والثورة مثل عبدالحليم، ولكن عبدالناصر لم يكن فقط عاشقا لصوت فريد ولكنه أيضا كان مقدرا لدور مصر العربى، وكل عربى له في مصر نفس الحقوق، وهكذا قرر نقل حفل فريد على الهواء، بينما يسجل حفل عبدالحليم ليعرض في اليوم التالى، كانت لدينا معركة طرفاها قمتا الغناء العربى، وانعكس ذلك أيضا بين المطربين، ستجد مثلا محمد رشدى وفهد بلان غنيا في الحفل الذي أقامه فريد نكاية في حليم، ومنح فريد لرشدى أغنية (عشرية) وفهد بلان (مقدرش على كده)، بينما بليغ حمدى كان مشاركا بأنغامه في فريق (العندليب) فكان هو بمثابة رئيس الأركان الغنائية، ولحن لعفاف راضى وعايدة الشاعر ومحمد العزبى دعما لعبدالحليم وحفلته.
الصراع عندما يصبح عنوانه الإبداع لا بأس به، كان فريد يشعر بأن هناك ضربات تحت الحزام توجه إليه تحرمه من التلحين لأم كلثوم وعبدالحليم، وظل معتقدا حتى رحيله أنها أصابع عبدالوهاب الخفية في الحالتين!!.
قطعا فريد لم يحظ أمس في ذكراه إعلاميا بما يستحق، ما رأيكم أن نحيل ميلاده 21 إبريل ليصبح هو موعد احتفالنا السنوى.
ما رأيكم أن نشعل شموعا في عيد ميلاد فريد القادم، فهو من جعل حياتنا، بصوته وألحانه، ربيعا في ربيع!!.