بقلم - طارق الشناوي
نستقبل شهر رمضان بأغنية عبدالمطلب (رمضانا جانا)، وعندما ينتصف الشهر الكريم ونصبح على بعد خطوات من وداعه نردد مع شريفة فاضل (تم البدر بدرى)، رمضان يقع بين قوسين من الأغانى، حالة روحانية فى الضمير الجمعى المصرى مغلفة بإطار فنى، الموالد الرمضانية تواكب موائد الرحمن الرمضانية.
وبجوار مساجد آل البيت مثل (الحسين والسيدة زينب)، دائما هناك ذكر دينى يتكئ على أشهر الأغانى العاطفية لعبدالحليم حافظ (قولوله الحقيقة/ أبوعيون جريئة) صارت (روحوله المدينة/ محمد نبينا) تلك هى واحدة من خصوصية الروح المصرية.
الشارع له كلمته المسموعة فى كل التفاصيل، منذ مطلع الأربعينيات ومع انتشار السينما، كان المصريون يسلون صيامهم بالذهاب إلى دار السينما، وبعد الإفطار يذهبون مجددا للسينما فى انتظار السحور.
عندما ظهر التليفزيون عام 1960 اختفت تلك الظاهرة، وأغلقت دور العرض أبوابها فى رمضان، صارت الأسرة تتجمع فى نفس التوقيت حول المائدة وهم يشاهدون الفوازير، فى البداية (الثلاثى) جورج وسمير والضيف (أبيض وأسود)، وذلك قبل منتصف السبعينيات، بعدها توجه المؤشر إلى عصر الألوان مع فوازير نيللى وفطوطة وشريهان، ثم المسلسلات الكوميدية والاجتماعية، بينما قبل مدفع الإفطار.
تربينا على المسلسل الدينى (محمد رسول الله)، رمضان تتخلله حالة طقسية موازية تشكل ملامحه، وبالقطع بين الحين والآخر، كنا نتابع أحد الأصوات المتزمتة معلنا أن رقصات نيللى وشريهان فى الفوازير تتناقض مع جلال الشهر الفضيل، وينتفض فى العادة صوت من مجلس الشعب، متبنيا هذا الرأى، إلا أنك سوف تلاحظ شيئين أولا أن الأغلبية تنتصر للفن، ثانيا أن من يرفض الفن هو صوت بعيد عن قبيلة الفنانين، يأتى غالبا من إحدى المؤسسات الدينية.
توقفت كثيرا أمام ما ردده الفنان الكبير حسن يوسف طالبا من الجمهور بألا يشاهد الأعمال الدرامية فى رمضان، والتفرغ فقط للعبادة، واستطرد قبل أن يسأله أحد ليؤكد أنه عندما قدم فى رمضان مسلسل (إمام الدعاة) عن حياة محمد متولى الشعراوى، شاهده فى شهر (شوال)، رافضا أن يلهيه المسلسل عن ذكر الله.
ومن المؤكد أنه طبق نفس القاعدة على مسلسل (زهرة وأزواجها الخمسة)، حيث لعب دور أحد أزواج (زهرة)، وتجنب مشاهدة المسلسل منتظرا (شوال) وربما (ذو القعدة).
ليست تلك هى المرة الأولى التى نستمع فيها إلى هذه الآراء، وكأن هناك خصومة بين الفن والدين، النجم يوسف الشريف لديه تصريحات مماثلة، وكثيرا ما كتب على صفحته اذهب وصلى فى الجامع، خير عند الله من أن تشاهد مسلسلى الرمضانى.
لا أتدخل فى نوايا أحد، وأصدقهم جميعا سواء فنان كبير بحجم حسن أو نجم من هذا الجيل مثل الشريف، إلا أن السؤال ألا تشعر بوجود تناقض، لماذا يساهم نجم كبير فى عمل فنى قد يشغل الناس عن ذكر الله، ألا يعتبر فى هذه الحالة فاعلا أصيلا فى جريمة توجيه مشاعر وأحاسيس الناس بعيدا عما هو مطلوب فى هذا الشهر الكريم؟.
هل العبادة فى شهر رمضان تتعارض مع ما نتابعه على الشاشات من مسلسلات وبرامج، الإحساس بالبهجة لا يتعارض مع الدين، الذائقة الشعبية لا تجد بأسا ولا حرجا وهى تردد فى المولد (روحوله المدينة) على طريقة (أبوعيون جريئة)!!.