توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دهشة الموت !

  مصر اليوم -

دهشة الموت

بقلم - طارق الشناوي

لا يزال يدهشنى الموت، فى كل مرة أفقد عزيزًا أكتشف أننى أتعرف على الموت لأول مرة، أعلم أنه سر استمرار الحياة، لولاه ما كانت هناك حياة، النهاية تخلق البداية.

كلما مضت بنا الأيام ندرك أن من يغادرنا يأخذ جزءًا منا للعالم الآخر، نرحل بالتقسيط، ولهذا فى البداية لا نتعامل مع الخبر باعتباره نهاية حياة، ولكن بداية رحلة، وننتظر أن يتجدد اللقاء بعد نهاية الرحلة.

فى الجامع وقبل صلاة الجمعة، وجدت أخى عمر الشناوى، خبير مصرفى ويحاضر فى الاقتصاد فى العديد من الجامعات، كان طوال الأيام الماضية لا يكف الحديث عن الجنيه وعلاقته بالدولار، وكان يرى ضوءًا أبيض فى نهاية النفق المظلم.

أخى بالجينات وصديقى بالمشاعر بجوارى، إلا أنه فى صندوق بنى اللون، يطلقون عليه (نعش)، رغم أنه أحد أهم مظاهر الموت، حروف الكلمة تعنى الحياة، هل يشعر عمر بشىء الآن؟ هل هو يحب اللون البنى الغامق؟، أعلم أنه يهتم كثيرًا بالتفاصيل، لا أتصور سوى أنه اختار هذا اللون وعن سبق إصرار، أكيد كانت هناك اختيارات أخرى، أطيل النظر إلى النعش وعلى الفور أرى أخى بابتسامته الساخرة يمسح دموعى ويطبطب على كتفى.

إنهم يدركون كل التفاصيل، بل يختارون من يريدون توديعهم، إرادتهم لا تنتهى بمجرد الموت، يمنحونها لأقرب الناس إليهم لينفذوها فورًا.

هل يدرك الإنسان موعد رحيله؟ البعض يحكى أن هناك مثلًا من حدد بالدقيقة والثانية الموعد، وهو موقن من كل شىء وتعددت القصص، وهناك على العكس ما يؤكد أن فلانًا كان يخطط لعشرين سنة قادمة، ثم فاجأه الموت وهو فى عز الحياة.

يظل درس الموت ماثلًا أمامنا ولكننا عادة لا نتعلم، وأنا وعمر كثيرًا ما نختلف فكريًا، ولهذا لم أكن أتوقف عن مشاغبته وهو يبادلنى مشاغبة بمشاغبة، لا أتصوره كان يدرك مثلًا أن تلك كانت ليلته الأخيرة، بل ذهب فجرًا للمستشفى القريب من منزله، عندما شعر بضيق فى التنفس، وهو موقن أنه سيعود للمنزل؛ ثم فاضت روحه بعد لحظات إلى بارئها.. جاءنى تليفون فى الصباح الباكر ينعينى (البقاء لله)، ولم أدرك معنى الكلمة بالضبط، فلم تكن هناك أبدًا إرهاصات توحى بذلك أو تمهد له.

هل هو أيضًا فوجئ بملاك الموت؟ ربما كان هذا ما اعتقدته أنا، أو ما تصوره أقرب الناس إليه، ولكنه كان يعلم، هناك رسائل تصل إلينا من السماء، نحن لا نغادر القطار فجأة، ولكن ليس كلنا قادرين على فك شفرة الرسالة، ممكن أن تصبح تلك هى الإجابة النموذجية، ولدىّ إجابة أخرى أن البعض منا يحتفظ بالرسالة ولا يبوح بها حتى للدائرة القريبة، ترقب الرحيل أشق على النفس من الرحيل المفاجئ، ولهذا لا يبوحون أبدًا بالميعاد.

آخر رسالة تلقيتها من أخى، كان يطلب منى أن أستمع إلى تسجيل إذاعى من الأرشيف لعمى الشاعر الكبير كامل الشناوى، عثر عليه مؤخرًا، وأنا استمعت إلى كل أحاديث عمى، ولهذا لم أفتح (الرابط)، وسألنى برسالة (واتس آب) هل استمعت إليه؟ رددت: سمعته 20 مرة، وقرأت إجابته بعد خبر الرحيل: استمع إليه للمرة الـ21، واستمعت إليه قبل ساعات، وبالفعل كان عنده حق، المرة الحادية والعشرين تأملتها ببهجة ووميض مختلف.. وداعًا يا أخى والسلام أمانة على جميع من سبقونا!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دهشة الموت دهشة الموت



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 16:54 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بنزيما يرشح كاسيميرو وعوار وفقير للانضمام لـ اتحاد جدة

GMT 23:51 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

شركة آسوس تطلق هاتفها الذكي Zenfone 6 الجديد

GMT 12:48 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

نقل سولاف فواخرجي للمستشفى بعد حادث أليم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon