خطوة مهمة وحتمية، قررت القناة الوثائقية التابعة للشركة المتحدة القيام بها؛ وهى إنتاج فيلم عن الملكة كليوباترا ردًّا على الفيلم الذى تعده (نتفيلكس) عن حياة الملكة المصرية.
مطلوب قطعًا أن تصبح لدينا قدرة على رد الفعل، إلا أن المطلوب أولًا أن نبدأ نحن بالفعل.
لو أنت صاحب الخطوة الأولى، فسوف تجد نفسك فى مكان أعلى ومكانة أفضل، تعنى أنك تملك خطة ولديك هدف، لا تحدد موقفك طبقا لما يدفعك إليه الآخرون، سنقدم فيلمنا عن كليوباترا كرد فعل، ولتصحيح التاريخ الذى نخشى من تزييفه، عندما رأينا أنهم سوف يقدمون الملكة المصرية وبشرتها سوداء وملامحها إفريقية.
لا توجد أدنى مشكلة فى اللون الأسود لو كانت تلك هى الحقيقة، لولا أنهم يزيفون التاريخ عن جهل أو تعمد.. الحقيقة هى الهدف، لماذا لا نبادر نحن أولًا بتقديمها ولدينا وثائق مصورة تكفينا لنقدم عشرات بل مئات غيرها؟!.
أن يعرف العالم تاريخنا الذى نكتبه بأيدينا وطبقًا لوثائقنا، أراها بديهية، إلا أننا تأخرنا كثيرًا حتى فى البديهيات، لدينا مركز قومى للسينما المصرية انطلق منذ الستينيات، لم يتمكن من القيام بدوره حتى الآن، المركز يمتلك من الذخائر الكثير مثل جريدة مصر الناطقة التى وثّقت للحياة بمختلف ألوانها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكانت تقدم فى دور العرض حتى الثمانينيات راصدة ما يجرى دوليًا وداخليًا.. نعم، غلب عليها الجانب الدعائى، إلا أنك من الممكن أن تعثر على الحقيقة فى الشريط السينمائى وتنقيه من الزيف.
المركز القومى للسينما حاليا لا يفعل أى شىء سوى إقامة مهرجان سينمائى، وصار تقريبا هو الهدف، رغم أن الأساس هو الإنتاج الفنى.. الميزانية ترصد فقط للمهرجان، ولهذا تزداد حوله الصراعات، لأنه النشاط الوحيد الملموس والمحسوس.
يعانى شباب المركز من حالة إحباط، لا أفكار، ولا مشروعات، ولا شىء من الممكن أن يضعوا فيه أفكارهم سوى المهرجان، وهم أساسا غير مسموح لأفلامهم بالمشاركة فى فعالياته.. لا أنكر الجهد المبذول فى المهرجان، ولكن أرى أن الإنتاج السينمائى ينبغى أن يصبح أولًا هو الهدف، ثم يأتى المهرجان تتويجًا لهذا الجهد.
القناة الوثائقية بدأت نشاطها مؤخرًا، وعليها أن تعقد بروتوكول توأمة مع المركز القومى، ويتاح لها كل هذه الكنوز التى يملكها المركز ولا يدرى أنه يملك فى يديه ثروة لا تقدر بثمن.
بددنا- مؤكد- الكثير، بسبب سوء التخزين، ويتبقى القليل علينا إنقاذه من الهلاك. الزمن ليس لصالحنا، إذا لم نتنبه ونحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه اليوم قبل الغد.
المادة الخام التى صوّرت بها تلك الوثائق معرضة للهلاك، كما أن القيود الروتينية تحول دون إعادة تدويرها فنيا وفى النهاية ستتبدد.. هل من الممكن أن تصبح الأشرطة قادرة على أن تحقق مكاسب مادية؟.. نعم، لو امتلكنا العقل القادر على التسويق، المشكلة أراها أساسا فى افتقارنا للخيال القادر على تحويل هذا الإبداع إلى قوة اقتصادية.
ماذا بعد فيلم (كليوباترا)؟
لا شىء، سننتظر كالعادة مرة أخرى حتى نرى عملًا أجنبيًا يتناول جزءًا من تاريخنا، أو يحكى عن أحد أعلامنا ويخلط الحقيقة بالوهم، وبعدها ننتفض مذعورين، ثم نبدأ رد الفعل.. نصحو وكالعادة متأخرين بعد أن توقظنا ضربات على الباب، ثم نعاود بعدها النوم العميق.
هل لدينا خطة لتقديم تاريخنا المجروح والمذبوح والمسفوح؟.. أشك أننا نملك زمام المبادرة، سننتظر وننتظر وننتظر، حتى نرى تاريخنا وهم يعيدون تدوينه كما يحلو لهم!.