توقيت القاهرة المحلي 10:31:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«همبكة» !

  مصر اليوم -

«همبكة»

بقلم - طارق الشناوي

فى اجتماع سياسى بحضور جمال عبد الناصر، بعد أن ضجّ السينمائيون بالشكوى بسبب تعثر الإنتاج، أحد كبار المخرجين قال (بِعت ساعتى حتى أنفق على أسرتى)، بينما رشدى أباظة قال (السينما همبكة).. كانت تلك الكلمة هى عنوان المرحلة، ودليلًا على التردى، وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للفنان الكبير توفيق الدقن، ولا أتصورها سوى اختراع، وعندما تعجز مفردات القاموس عن التعبير تولد كلمات جديدة.

أطلقها توفيق الدقن فى مسلسل (بنت الحتة)، الذى عرض عام 64، والتى تعنى الكذب والتزييف (فنكوش) فى عرف هذا الزمن، أصبحت الكلمة مرادفة للدقن، وفوجئ أثناء تقديمه أحد العروض الكلاسيكية فى المسرح القومى أن مشاهدًا من فرط إعجابه هتف قائلًا (الله يا همبكة)، فقرر الدقن إسدال الستار، ولو تعرف عليه أحدهم فى الشارع قائلًا بسعادة وترحاب: (أهلًا همبكة)، لن يتورع على أن يرد عليه الكلمة بلكمة.

للدواء الشافى أعراض جانبية، والفيتامينات إذا أخذنا منها جرعات كبيرة تؤدى إلى مخاطر صحية. النجاح الطاغى قد يصبح بمثابة عقدة نفسية، إذا تجاوز حدود المسموح!!.

مثلًا الكاتب المغربى الراحل محمد شكرى، صاحب رواية «الخبز الحافى»، التى حققت شهرة استثنائية فى العالم، حيث ترجمت إلى 39 لغة، ولا تزال تقف فى الصدارة على مستوى أرقام البيع، كان (شكرى) يعانى من حالة النجاح المفرط التى صنعت جبلًا شاهقًا منع العيون من رؤية أى إبداع آخر، على الرغم من أنه كتب «الخبز الحافى» عام 72 وعاش بعدها 32 عامًا، محاولًا أن يقهر «الخبز الحافى» بأعمال أدبية تفوقها شهرة دون جدوى!!.

كان الشاعر السودانى الكبير الهادى آدم، الذى حقق شهرة عريضة فى العالم العربى قبل أكثر من 40 عامًا، بعد أن غنت له أم كلثوم قصيدة (أغدًا ألقاك)، إلا أنه أصبح يرفض أن يُلقى تلك القصيدة فى اللقاءات العامة، صار معاديًا لها. كان يشعر بأنها اختصرت كل دواوينه فى عدد محدود من الأبيات الشعرية، وكثيرًا ما كان يغادر منصة أى حفل يُدعى إليه لو أصر الحضور على أن يلقى إليهم «أغدًا ألقاك».

الغريب أن الشاعر اللبنانى جورج جرداق، الذى رددت له أم كلثوم قصيدته «هذه ليلتى» بتلحين محمد عبدالوهاب بعد أن كتبها مباشرة بتكليف من أم كلثوم، عاش أيضًا المأزق نفسه، وهو أن الناس لا يعرفون عنه سوى أنه صاحب «هذه ليلتى»، واكتشفت ذلك عندما التقيته قبل عشر سنوات فى إحدى الإذاعات اللبنانية، وبمجرد أن سألته عنها كاد أن يغادر مقعده محتجًا، ولم يعد إلا بعد أن أكدت له أننى سأنسى أنه كتب (هذه ليلتى)، وسأحدثه فى كل شىء ما عدا (هذه ليلتى)!!.

مأساة النجاح الطاغى تجسدت بقسوة مع صفية العمرى «نازك السلحدار» فى «ليالى الحلمية»، وصلت إلى نجاح جماهيرى غير مسبوق فى الشارع، ليطلق اسمها لأول مرة على أفخر أنواع البلح فى رمضان، بل إن ماركة من السيارات صار اسمها «عيون صفية»، ولا تزال صفية حتى الآن تحاول دون جدوى عبور حاجز «نازك»!!.

أتذكر أن الراحلة القديرة «سناء جميل» كثيرًا ما كانت تعزف عن إجراء الحوارات الصحفية بسبب تكرار سؤالها عن دورها نفيسة فى «بداية ونهاية»، وحفيظة فى «الزوجة الثانية». كانت تشعر بألم نفسى عندما ترى بعض الزملاء يحاولون اختصار مشوارها العظيم فقط فى (نفيسة) و(حفيظة).

تجاوز النجاح يصبح أحيانًا أصعب بكثير من مواجهة الفشل، ولدينا نجوم كانت آفتهم هى النجاح وليس النسيان، كما يقول أديبنا نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان».. ويبدو أن حارة المبدعين آفاتها هى أن الناس على العكس لا يريدون أن ينسوا، حتى (الهمبكة)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«همبكة» «همبكة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon