من المهم أن تتسع زاوية الرؤية فى المهرجانات لتشمل العديد من دول العالم، خاصة تلك التى نادرًا ما نتوقف عندها، ولهذا أقرأ معكم فيلم (بصل جبلى) الذى يمثل دولة كازاخستان فى مهرجان (البحر الأحمر).
إنها إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتى سابقًا وتتمتع باستقلالها قبل 30 عامًا، تقترب حدودها مع الصين، وإذا كنا فى عالمنا العربى يراودنا دومًا الحلم الأمريكى، فإنهم فى تلك الدول يعيشون أسرى الحلم الصينى، (فركة كعب) يصلون إليها.
أسرة مكونة من أب وأم وطفل وطفلة، الطفلان يقتربان من مرحلة المراهقة، عائلة فقيرة تبحث عن مأوى، يحاول الأب الضعيف جسديًا وشخصيًا أن يوفر لهم- كحد أدنى- بيتًا نراه دائمًا آيلًا للسقوط.
الفيلم يبدأ بلقطة للطفل والطفلة وهما يلعبان لعبة (الصفع)، ومن يتحمل الصفعات للنهاية هو الفائز، كان لدينا فى مصر قبل نصف قرن لعبة شبيهة (صلح)، لا أدرى هل لا تزال تمارس فى الشارع أم لا؟.
الطفل يشعر بضعف أبيه أمام أمه، فأصبح الأب ذهنيًا قد مات، يعمل الطفلان فى بيع (البصل الجبلى)، وهو يشبه البصل المصرى الذى يؤكل نيئًا. المخرج والكاتب الدار شيبانوف يضع دائمًا العائلة وسط مساحات واسعة من الجليد، حتى يزداد إحساسنا بضعفها، نقترب من الطفلين فى تلك المرحلة العمرية، بدايات الإحساس البكر بالرجولة والأنوثة، أقراص (الفياجرا) يتعرفان عليها، هما يعتقدان أنها الحل، لمشكلة الأب، بينما هو واقعيًا يعانى انسحاقًا لضعف شخصيته أمام زوجته التى تهدده دائمًا بضرورة توقيعه على ورقة الطلاق، عيون الطفلين تتلصص بنظرات وتفسيرات لم تنضج بعد، تلخيص الحكاية فى (الفياجرا) تحليل ساذج صدقه الطفلان، وردده أيضًا مع الأسف بعض النقاد.
يدخل على خط الأحداث سائق شاحنة ينقل علب (الفياجرا) من بلده إلى أخرى، تتأزم العلاقة أكثر مع الزوج بعد أن تتورط زوجته فى علاقة مع سائق الشاحنة، الطفل يشعر بازدراء تجاه الأم، وهى تحاول إقناعه بأنها لم تمارس الجنس مع هذا الغريب، ولكنه كان يعالج ظهرها.
تنفلت منها كلمة قبل العلاقة الحميمة مع الزوج تجعله بعد أن كان رافضًا للتوقيع على تلك الوثيقة يسارع بالتوقيع، فى النهاية تتغير المشاعر والأسرة التى كان كل شىء فيها آيلا للتداعى والسقوط وتعود للتماسك.
لجأ المخرج، الذى شارك أيضا فى كتابة السيناريو، إلى تلك المبالغات فى التعبير المباشر بالتماثل الشكلى، مثل محاولة الزوج لبناء بيته، وكلما وجدنا العلاقة بينهما تتداعى يعبر عن ذلك بسقوط أحجار البيت.
كما أنه يعبر بمباشرة عن ضعف الزوج الجسمانى ثم قوته من خلال لعبة استعراض القوة، فى البداية أثار سخرية الجميع لأنه لم ينجح فى توجيه لكمة قوية للكرة المطاطية، وفى الثانية قبل النهاية يوجه اللكمة الأقوى ويأتى التعليق من خلال الجهاز الآلى لقد حققت رقما قياسيا.
رسائل مباشرة، كما أن تبدل مشاعر الزوجة المتسلطة إليه فى لحظات بعد أن وقع ورقة الطلاق بينما هى تمسكت به زوجا، يعد انقلابا دراميا بلا تمهيد.
يبقى فى الذاكرة البراعة السينمائية فى تقديم الضعف والوحشة داخل تلك الجبال الجليدية على الطريق بين كازاخستان والصين، تلك المنطقة التى تتعدد فيها اللغات القاقازية (محلية) وصينى وروسى، ولكنها تتوحد جميعها على المشاعر، المخرج نجح تماما فى قيادة الأطفال، محافظا على تلقائيتهما.
الفيلم عرض جماهيريا فوق 15 سنة، وهو ما يعنى أن الرقابة امتلكت الجرأة لمناقشة كل القضايا وطرحها على الجمهور.
فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب العرض أجاب المخرج عن تأثير تلك القضية على مشاعر الأطفال، قائلا إن كل شىء تغير فى الألفية الثالثة، حتى ثقافة الأطفال، أصبحت أكثر انفتاحا فى إدراك العديد من القضايا.