بقلم - طارق الشناوي
قبل أن يسارع بعض المتزمتين بمصادرة كلماتى قبل حتى قراءتها، أقول إننى أتحدث فى هذه السطور عن شأن مصرى، ويحق لى ذلك بعيدًا عن خانة الديانة.
أتناول حفل الموسيقار الكبير هانى شنودة، الذى تم الإعلان عنه فى مسرح الكاتدرائية، مقر إقامة بابا الإسكندرية، يوم 23 فبراير المقبل، ويعتبر عدد من المسيحيين أن مثل هذه الحفلات تنال من وقار الكنيسة وقدسيتها، وبدأت المطالبات على (السوشيال ميديا) بإيقاف ما وصفوه بالمهزلة.
كانت ولا تزال وستظل الموسيقى هى أقرب اتصال روحى بين الأرض والسماء، إنها لغة الأبجدية الأولى التى تلقفتها قلوب البشر قبل اختراع حروف ومعانى الكلمات، لا تفرق بين لون وجنس وعقيدة وثقافة، تخترق كل مساحات الجغرافيا وكل أزمنة التاريخ.
كثيرًا ما نستدعى موسيقى من زمن آخر لهذا الزمن. فى السنوات الأخيرة بدأت أرى طاقة نور تثيرها موسيقى هانى شنودة؛ فى العديد من الاحتفالات العالمية أكتشف أن موسيقى شنودة حاضرة، حدث ذلك مرتين فى غضون عام أو اثنين أثناء توزيع جوائز (الجولدن جلوب)، وفى العام الماضى فى مهرجان (كان) قبل عرض فيلم (صبى من الجنة)، وجدت موسيقى أغنية (أنا بعشق البحر) لنجاة، تعزف أثناء صعود أبطال الفيلم على سلم قاعة لوميير.
لا توجد خصومة بين الأديان والفنون، هناك فقط فى كل الأديان من يضعون هذه المتاريس حول الفن، بل إن الأداء الكنسى بكل طوائفه مع اختلاف الدرجة بين الطوائف الثلاث، الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت، ستجده مصحوبًا بأداء منغم من الشمامسة، قطعًا البروتستانت أكثر تحررًا فى هذا الشأن، بينما الأرثوذكس لديهم قدر من الصرامة، ويقف فى المنتصف الكاثوليك، وكثيرًا ما رأيت أبانا بطرس دانيال (رئيس المركز السينمائى الكاثوليكى) وهو يعزف على (البيانو) فى مناسبات متعددة.
أكثر من فرقة موسيقية مصرية جمعت بين التراتيل المسيحية والإسلامية التى تقدم فى قالب التوشيح.
من الممكن أن نُطل على المجتمع المصرى بتلك الزاوية، لنرى كيف يفكر قطاع من المصريين؟، عندما يرتفع هذا السور الاصطناعى بين الدين والمجتمع، دائمًا هناك من يسعى لكى تتسع الهوّة بين الاثنين، يكفى أن نذكركم أن كل المذاهب الإسلامية فى مصر منعت دخول «الحنفية» واستخدامها فى الوضوء، لأنها من وجهة نظرهم تُفسد الوضوء، ما عدا المذهب الحنفى، ومن هنا أطلقوا عليها «حنفية»، وهناك من اعترض على احتساء القهوة باعتبارها من الكبائر، بعد أن نعتوها بأنها تُذهب العقول، ثبت أنها أكثر مشروب يزيد من درجة التركيز.
الكنيسة المصرية لها مواقف عديدة رسمية داعمة لدور الفن، وعدد من المبدعين المصريين ولا أقول فقط المسيحيين ساهموا فى أفلام أنتجتها الكنيسة، شارك فيها المخرج سمير سيف والممثلون ماجد الكدوانى وندى بسيونى وسلوى خطاب وغيرهم، سيناريو فيلم (حسن ومرقص) عرضه عادل إمام على البابا شنودة، ووافق عليه، فقط اقترح تغيير صفة البطل مرقص من رجل دين مسيحى إلى أستاذ فى علم اللاهوت.. الضوء الأخضر الذى منحه البابا، لعب دوره فى السماح بتداول الفيلم جماهيريًا، ومن ثم وصول الرسالة.
بل كما قال لى الكاتب وحيد حامد إن البابا كان مؤيدًا لمسلسل (أوان الورد) الذى أثار الغضب عند قطاع من المسيحيين.
لا تزال (السوشيال ميديا) منقسمة، ولا أدرى ما هو الفصل الأخير، البابا تواضروس لم يصدر أى قرار فى هذا الشأن.
كان وسيظل هناك صوت متحفظ (مسيحى أو مسلم) ضد الفن، هل هو الصوت الذى يمثل الأغلبية، أم أنه فقط الأعلى نبرة؟ إجابتى أنه فقط الأعلى!!.