بقلم - طارق الشناوي
الرهان على ضخامة الإنتاج وأسماء نجوم التوزيع من الصف الأول الذين يتقاضون الملايين من الدولارات، يبدو نظريا معادلة مضمونة، سبق تجريبها وأثبتت جدارتها، إلا أنك مع الزمن تكتشف أن الخروج عن الصندوق بمنطق له أيضا جماله، ومن الممكن أن يتحول إلى معادلة ساحرة إبداعيا ومربحة اقتصاديا، عندما تتوافق الجدية مع روح المغامرة، تصل إلى مناطق أبعد كثيرا مما هو بين يديك، العصفور في اليد يبدو مضمونا، إلا أنك لو امتلكت القدرة على (التنشين) الصحيح، تستطيع أن تقتنص من على الشجر عشرة عصافير!!.
فريق عمل المسلسل الممتع (الهرشة السابعة) نجحوا في الحصول على العصافير العشرة، كريم الشناوى هو أحد أهم مخرجى السنوات الأخيرة، يجيد اختيار النص وتسكين الأدوار وقيادة ممثليه، ودائما لديه رهان أبعد من مجرد الحبكة الدرامية، فهو يترك لديك مساحة من التأمل، مثل مسلسل (خلّى بالك من زيزى) الذي عرض قبل عامين أيضا على (إم بى سى)، راهن مجددا هذه المرة، على أمينة خليل كبطلة مع محمد شاهين وعلى قاسم وأسماء جلال ومحمد محمود وعايدة رياض وحنان سليمان وعماد رشاد ومحمد الكيلانى، كل هؤلاء مع اختلاف المواحل العمرية يجمعهم شىء هام جدا: الأداء الهادئ.
أمينة خليل أراها التجسيد العصرى لفن الأداء، التلقائية والتعبير الذي يقدم الإحساس بهمس، في أغلب أدوارها تستطيع أن ترى ذلك الملمح، لم تستسلم لشىء سوى أن تصبح نفسها، وفى حالة اللهاث الذي نراه على وجوه النساء وحتى الرجال، لم تسمح لأحد بأن يعبث بأنفها، تذكرنى بنجلاء فتحى رغم فارق الزمن، حيث كان من الممكن في السبعينيات أن تجرى ببساطة عملية لتجميل أسنانها (الملعبكة) إلا أنها اكتشفت أن الجمال في (اللعبكة). ملحوظة شاهدت قبل يومين أحمد السقا ضيف شرف (الكبير أوى) شىء ما تغير في ملامحه، بعد أن عبثت بها يد الجراح.
أمينة لم تتمسك فقط بملامحها، ولكن أيضا باسمها الذي رآه البعض ينتمى لزمن ماض فأصرت عليه.
تبدو تفاصيل بعيدة عن فن الأداء، ولكنك لو تأملتها ستجد أنها لا تنفصل عن عمق الأداء، فهى تعنى التوافق النفسى، المسلسل كإطار درامى سبق تقديمه عالميا ومصريا، إلا أن هناك معالجة وقراءة جديدة ومختلفة قدمتها الكاتبة الموهوبة مريم ناعوم التي أشدت بموهبتها قبل خمسة عشر عاما، منذ فيلمها الروائى الأول (واحد صفر)، في أعمالها الأخيرة تقود ورشة (سرد)، ولا توجد قاعدة مطلقة في التقييم، تعوّد البعض أن يعتبر الورش كلها شرًّا، رغم أن الشر كما تجده في الورش، تجده أيضا في الكتابة الفردية، المهم هو القدرة على الإحساس والتقاط الجمال، ولا نغفل من المعادلة أبدا المشرف على الورشة (الأسطى)، قدمت مريم أعمالا هامة في السنوات الأخيرة، جزء كبير منها ينتمى تحديدا إلى (سرد) التي تشرف عليها.
الحلقة تبدأ بعنوان موحٍ مثل (عاصفة التنين) أو (أهو ده اللى صار)، يترك لك مساحة أن تضيف أنت، لتكتمل الرؤية، واستعان المخرج بمقدمة غنائية تلحين وغناء هانى الدقاق بمشاركة بستان مجدى، تتناول الكلمة وظلالها.
تنويعات على نفس التيمة، (الهرشة) لا ينبغى بالضرورة أن تحدث في السنة السابعة، زواج حنان سليمان من عماد رشاد أو طلاق محمد محمود وعايدة رياض هو أيضا (هرشة).
أحداث درامية تقفز بعيدا عن الإطار التقليدى، ومخرج موهوب، وممثلون يقدمون جرعات مكثفة من فن الأداء، لنشارك جميعا في (الهرشة)، هرشة عقل وعين ووجدان!!.