بقلم - طارق الشناوي
سألوا المخرج عن مسلسله، قال: «أنا الأنجح في (الماراثون) الرمضاني»، وجاء الرد المفحم أنه لا وجود له في الإعلام الرسمي ولا «السوشيال ميديا»، وأرقام المتابعة ألقت به أسفل سلم المشاهدة، أجابهم: «وما أدراكم بصدق هذه البيانات، جميعها أرقام زائفة مضروبة»، سألوه مجدداً: هل أنت راضٍ عن النتيجة النهائية على الشاشة؟ قبل أن يلتقط أنفاسه أجاب بكل ثقة: «الشاشة أعظم بكثير من خيالي، رغم أنني صانع العمل الفني، فإنني كثيراً ما أضبط نفسي في حالة دهشة، وأتعجب كيف فعلت كل هذا الإعجاز»، واجهوه ببعض الآراء السلبية، علق قائلاً: «لم يدركوا القيمة الإبداعية، فسد ذوقهم»، صاحوا: أين المقالات التي تشيد بك؟ أجابهم: «أصدقائي يخشون إعلان رأيهم خوفاً من اتهامهم بالانحياز، رغم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وهم صاروا شياطين»، وماذا عن «السوشيال ميديا»؟ هل انضموا أيضاً للشياطين؟ قال بكل ثقة: «الذباب الإلكتروني يلعب الدور الرئيس، أنا لم ولن أشارك في تلك الخدعة، أنا نجم رمضان الأول، وبلا ثانٍ؛ لأنني بمفردي أحتل المراكز العشرة الأولى، ومن يأتي لا يحل ثانياً، بل الحادي عشر» ولو كره الحاقدون!
هذه فقط بعض إجابات المخرج طبقاً للأصل، فقط مع بعض التصرف. المخرج ليس لديه شك في قدراته ونجوميته، في حين أن لديه يقيناً في فشل «ترمومتر» التقييم الذي دفع به هذا الموسم، ليس فقط خارج اهتمام الناس، بل خارج «المجرة» الدرامية! الفشل الذريع حرك لديه «جنون العظمة»، وتحول إلى درع واقٍ، فلا يسمع ولا يرى، فقط يتكلم.
اتهام الجمهور بالفساد والإعلام بالانحياز، أتابعه بين الحين والآخر، مثل هذا الملحن الكبير الذي فشل في الستينات أحد ألحانه الذي رددته أم كلثوم، فقال على الفور: «نجح اللحن وفشل الجمهور»، وأضاف: هذا قطعاً ليس ذنبي، الناس تتحمل النتيجة (مالهمش في الطيب نصيب).
تعلمنا الأيام والسنوات أن القاعدة أن العمل الفني ينجح مع الجمهور الحالي، وهناك أعمال فنية قادرة على اختراق حاجز الزمن، تظل مع تعاقب السنوات قادرة على الجذب، لتستعيدها أجيال أخرى. تلك هي القاعدة، العمل الفني مصنوع للجمهور، في حين أن الاستثناء هو أن يفشل العمل الفني عند تداوله أول مرة، يمر زمن وتتسع دائرته، ويتحول إلى عمل فني جماهيري مثل «باب الحديد» للمخرج يوسف شاهين، الذي رشق الجمهور بسببه دار العرض بالحجارة، ثم مع الزمن، صار الفيلم أحد الأفلام الجماهيرية التي ينتظرها الجميع عند إعادة عرضه في الفضائيات.
الأستاذ الأول للمبدع هو الناس لو أحسن الاستماع إليهم، رجل الشارع البسيط لديه أسبابه في إعلان حبه أو رفضه، ليس معنى ذلك أن الفنان يقدم إحساسه على مقاس الجمهور، المطلوب هو الإنصات بتمعن واحترام إلى رغبات الناس، عندما يستشعر الفنان بأن هناك خفوتاً جماهيرياً، أو أن مزاج الناس دفعهم إلى دائرة أخرى، عليه أن يستوعب تلك الحقيقة. عندما عُرض فيلم «إسماعيلية رايح جاي» عام 1997، في عز نجومية عادل إمام، اكتشف عادل أن «إسماعيلية» حقق في دور العرض ضعف «شباك التذاكر»، الذي كانت تصل إليه أفلامه، حلل الظاهرة ووجد أن الشريط السينمائي نجح في إقناع جيل جديد لقطع التذكرة، فقرر أن يفهم أكثر هذا الجمهور من شباب العشرينات. بالفعل اتسعت دائرة عادل، وأضاف هذا الجمهور إلى قائمة مريديه، وهكذا استمرت مسيرة عادل أربعين عاماً على القمة.
الاعتراف بالإخفاق هو بداية طريق النجاة، في حين إنكار الحقيقة الواضحة كالشمس، لن ينال أبداً من الشمس، في حين لا يزال المخرج يردد: «نجح المسلسل وفشل الجمهور»!