توقيت القاهرة المحلي 12:22:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«جعفر العمدة» بين اللعنة والشغف

  مصر اليوم -

«جعفر العمدة» بين اللعنة والشغف

بقلم - طارق الشناوي

لا يطبق الناقد -أو المفروض أنه لا يفعل ذلك- معاييره النظرية فقط، بعيداً عن ردود فعل الناس، وتوجههم الذي نلاحظه في عشرات من التفاصيل، أهمها توجه المؤشر.
لديكم مثلاً مسلسل (جعفر العمدة) الذي يحقق أكبر قدر من الجماهيرية الطاغية في الشارع، قطعاً لو استسلمت فقط للمعايير النقدية، لاكتشفت كثيراً من الأخطاء التي تتناقض مع قواعد الدراما، ومبادئ القانون، ومنطق المنطق، بينما المشهد الذي يتكرر منذ أول أيام رمضان، أن هناك من يلعن المسلسل قبل مدفع الإفطار، وفيما بعد المدفع يبحثون عنه بـ(الريموت كونترول)، يتحلقون حول التلفزيون بشغف لاستقبال الحلقة الجديدة.
عنصران أساسيان يحققان كل هذا الرواج: الكاتب والمخرج محمد سامي، والنجم الذي يتصدر الشاشة محمد رمضان. بينهما توأمة وكيميائية.
سامي هو أكثر مخرج في هذا الجيل قدرة على قراءة الجمهور، يلعب على المكشوف، يعد الجمهور في كل مرة بأحداث ساخنة وبقفلة (حراقة)، ومع نهاية كل حلقة يقلب تماماً الموقف الدرامي، ويجعلك متشوقاً لمشاهدة الحلقة التالية.
الناس تميل بطبيعة مشاعرها لتلك المسحة الميلودرامية التي تتطرف بين الأبيض والأسود، الحلال والحرام، الثلج والنار، لا توجد شخصية -حتى شخصيات الأدوار المساعدة- إلا وهناك ملامح مميزة لها، بها قدر مفرط من المبالغة في السلوك. المخرج لا يجد بأساً في أن يلقي بأوراقه بقوة، وخصوصاً في المشهد الأخير الذي يأتي مثيراً للدهشة، ثم يبدأ بعد ذلك في البحث عن مبرر درامي: زواج، أو قتل، أو صفع، أو خيانة، ومهما كانت (القفلة) فالمهم أن تنقلب المائدة أمام عيون الناس، الرغبة الكامنة لدى الجمهور المتشوق للحكاية ستدفعه ليصبح هو أيضاً أحد أهم عوامل تصديق كل ما يراه خارج المنطق، ليصبح هو المنطق.
بينما تكتشف مسلسلات على الميمنة والميسرة، حنجورية (البناء) تدّعي سياسياً وفكرياً، توحي بأنها فئوية في بنائها، مقدَّمة لطبقة من المثقفين، بينما الحقيقة تؤكد أن النخبة قبل العامة لم يصدقوها، «لت وعجن»، ومراهقة فكرية؛ بلا أي جاذبية، لا تملك سوى ادعاء الإبداع، فتسقط بعيداً عن مشاعر الناس، مترنحة بـ(السكتة الجماهيرية).
بينما التوليفة التي قدمها محمد سامي بكل هذا الصخب الدرامي مصنوعة على الصورة الذهنية التي شكَّلها محمد رمضان، لو نزعته منها فلن يتحقق كل هذا الرواج، ولا كل تلك الجماهيرية.
الممثلون بجواره يخرجون من العمل الفني مختلفين تماماً عما كانوا قبله، يظل لقسط وافر منهم عدد من اللازمات الحركية واللفظية، تترك مساحة في الشارع.
نوع من الدراما الشعبية علينا أن نتعامل معها كما هي «مشعوطة» (سبايسي) وبـ(نار الفرن)، فيها كل شيء زيادة عما هو متعارف عليه، ملح أو سكر، المهم أن تصل للذروة.
نتابع بالطبع غضبة مرتقبة للجمعيات النسائية، على اعتبار أن (جعفر) سيؤدي إلى تأكيد نمط الزواج من أربع، ولا أتصور أن الناس يتعاملون مع (جعفر) على هذا النحو، فما يتابعونه ليس هو الواقع، ولكنه ما بعد الواقع. لديكم مثلاً الحي القاهري العريق (السيدة زينب)؛ حيث تجري الأحداث، من المستحيل أن تلمح تماثلاً بين الحقيقة في هذا الشارع والدراما على الشاشة.
هناك فقط من يريد أن يصدق (جعفر) وقبله (الحاج متولي)، مدركاً في الوقت نفسه أنها مجرد أحلام بعيدة المنال، لا يتم التفكير في مصداقيتها. لا بأس من أن يشعر بعض الرجال بحالة مؤقتة من الزهو والسعادة، والنشوة المستترة التي يفجرها حضور (جعفر) وعلاقته بالنساء الجميلات الخاضعات له، كل منهن تنتظر ليلتها طبقاً للجدول، وهو يحق له فقط الخروج عن الجدول طبقاً لمزاجه.
الناس لا تقلد (جعفر العمدة)، وقبله بعشرين عاماً (الحاج متولي)، ولكنها تكتفي بأن تلعنه قبل مدفع الإفطار، ثم بـ(الريموت كونترول) تبحث عنه بشغف بعد المدفع!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جعفر العمدة» بين اللعنة والشغف «جعفر العمدة» بين اللعنة والشغف



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 12:22 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة
  مصر اليوم - عمرو دياب يتألّق عند سفح أهرامات الجيزة

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر

GMT 23:35 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

بورصة تونس تقفل التعاملات على تراجع

GMT 01:08 2020 الأحد ,19 تموز / يوليو

طريقة عمل الشكشوكة التونسية

GMT 22:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

أستون فيلا ينهار في ١١٤ ثانية أمام تشيلسي

GMT 23:30 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

السودان تسجل 215 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon