بقلم - طارق الشناوي
هل حقا ما يتم تداوله الآن عبر (اليوتيوب) ويجمع بين أم كلثوم وعبدالوهاب، فى (أصبح عندى الآن بندقية)، على اعتبارها قصيدة تمت مصادرتها قبل نحو55 عاما.
كان أحد أحلام رجل الاقتصاد الأول فى مصر، طلعت باشا حرب، أن يجمع بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فى فيلم سينمائى، بالتأكيد كان عبدالوهاب سيقدم (دويتو) مع أم كلثوم.
بسبب مخاوف أم كلثوم من انحياز عبدالوهاب إلى صوته، على حساب صوتها، وبسبب إصرار عبدالوهاب ألا يشاركه أساطين النغم فى ذلك الزمن زكريا أحمد ومحمد القصبجى ورياض السنباطى فى التلحين لأم كلثوم، توقف المشروع، وحرمت المكتبة الغنائية من هذا (الدويتو) الذى يجمع بين أكبر وأحلى صوتين فى عالمنا العربى، ولم يجتمعا إلا عام 1964 فى (إنت عمرى) والتى أطلق عليها الكاتب الصحفى جليل البندارى (لقاء السحاب). قطعا لا ينطبق عليه توصيف (دويتو)، فلا وجود لصوت عبدالوهاب فى (إنت عمرى) فقط أنغامه.
عندما نجحت الأغنية، وكانت تحقق لمحمد عبدالوهاب أعلى عائد (أداء علنى) طبقا لحقوق الملكية الفكرية، والذى يعنى حصول الشاعر والملحن على حصيلة قدرها 8 فى المائة من حق توزيع الأسطوانة، لم نكن قد عرفنا بعد (الشريط الكاسيت)، وقتها استشعرت (الست)، أن عبدالوهاب يريد غناء (إنت عمرى) بصوته.
وقررت تهديده بالتوقف عن تقديم الأغنية، وأمام تخوف عبدالوهاب من تراجع أرقام مبيعات الأغنية بصوت (كوكب الشرق)، تراجع عن الاقتراح، حتى التسجيل الذى قدمه بصوته على العود فى (إنت عمرى).
لم يجرؤ على تداوله إلا بعد رحيل أم كلثوم عام 1975، ورغم ذلك فإن أم كلثوم استثنت مرة واحدة عبدالوهاب من هذا الشرط، لخصوصية الموقف ولأنه يعبر عن توجه وطنى يرفع شعار تحرير فلسطين، فى (أصبح عندى الآن بندقية).
وأصبح لدينا تسجيلان بفرقة موسيقية كاملة، أم كلثوم، وعبدالوهاب، إلا أنه لا ينطبق عليه علميا توصيف (دويتو)، مثلما غنى محمد منير وأم كلثوم قبل بضع سنوات، (يا حبنا الكبير/ والأول والأخير)، أم كلثوم رددتها عام 1965، بعد عشر سنوات من ميلاد محمد منير، ولكننا استمعنا لهما معا.
وأيضا (الدويتو)، الذى لم يتحقق فى الحياة، يتم تداوله الآن بعد رحيل (كوكب الشرق) و(موسيقار الأجيال).
هو مجرد اجتهاد من أحد عشاق الوطن، كالعادة هناك من يحلو لهم إضافة قصص وهمية (لتحلية البضاعة)، مثل هذا التعبير، الذى تردد كثيرا على (النت)، (إزاحة الستار عن القصيدة الممنوعة من التداول)، والناس عادة تميل لتصديق مثل هذه الحكايات، حتى بعد أن يوقنوا من الحقيقة، لأن طعم الكذب بعد إضافة (الكاتشب) و(المايونيز) دائما أحلى.
دعنا نتأمل الحكاية من زاوية أخرى، فنية هذه المرة، هل كانت أم كلثوم، توافق على هذا المزج؟، لا أتصور، وهو نفس ما كان سيرفضه عبدالوهاب، وهو أيضا رأى شاعر القصيدة نزار قبانى.
لماذا أنا موقن من إجابتى؟ لأن الثنائية يجب أن تبدأ من الفكرة، التى تعنى توفر صراع بين نقيضين فى (الكوبليه) الأول ثم يبدآن فى (الكوبليهات) التالية التوافق، أو تزداد حدة التناقضات، بينما نزار كتب القصيدة ليغنيها صوت واحد، وهذا هو ما حرص بالضبط عبدالوهاب على تأكيده عندما أمسك بالعود لتلحينها.
لا بأس طبعا من أن تستمع إلى الأغنية، على شرط أن تدرك أنه مجرد اجتهاد من أحد الأذكياء، قد يصيب أو يخطئ، وليست أبدا قصيدة مجهولة!!.