كثيرًا ما تدخل إلى دار العرض من أجل قضاء وقت ممتع لا أكثر ولا أقل، تريد للجمجمة أن ترتاح قليلا من العمل، وأسهل طريق لتحقيق هذه السعادة المؤقتة أن تتعامل مع فيلم سينمائى سبق وأن عايشته عشرات وربما مئات من المرات ولا تجهد فيه عقلك.. ليس مطلوبًا من كل الأفلام أن تحقق مكانة (الأرض) أو(الحرام).. هناك أفلام تقع تحت طائلة قانون (اضحك كركر)، وأخرى تحت قانون (اوعى تفكر)، و(العنكبوت) نموذج جيد لـ(اوعى تفكر).
وبمجرد أن ترى البطل أمامك تُكمل أنت الباقى، وعندما يتواجد أحمد السقا على الشاشة تترقب فيضا من المطاردات وأيضا الانتصارات التى يحققها النجم الشعبى المحبوب.. وعلى مدى تجاوز 20 عاما، حقق السقا تلك المكانة كبطل مع (شورت وفانلة وكاب)، ومهما قدمت لنا السينما المصرية من أبطال يزاحمون السقا فى ملعبه مثل أحمد كرارة، وتأرجح أحمد عز بين (الجان) و(الشجيع)، فإن لـ«السقا» مساحته، وحتى الآن يمتلك إطلالة خاصة.
جمهور السينما يفضلها (أكشن).. هذا هو ما تجده فى العالم طبقا لكل الدراسات والإحصاءات. وفى مصر، بدأنا نحقق درجة مبهرة فى تنفيذ المطاردات لمخرجين مثل شريف عرفة ومروان حامد. ثقافة المتلقى مع تلك النوعيات باتت تضع الجميع فى مقارنة مع أحدث ما شاهدوه على شاشات السينما الأمريكية، وأحمد نادر جلال عنوان الجيل الثالث من عائلة (جلال)، وقدم فيلمه بدرجة حرفية واضحة فى تنفيذ المطاردات بإيقاع لاهث، ممسكًا بالمتفرج الذى عادة ما يسلم عقله عند الدخول لدار العرض ويسترده مع تتر النهاية، هذا قطعا مرتبط بأن يتبقى له ما يسترده.
(العنكبوت) يواجه كل التحديات، ولا بأس أن يشعر ببعض نوازع الانتقام، لأن أقرب الناس إليه ضحية المواد المخلطة صناعيًا من السموم القاتلة، كما أن شقيقه ظافر العابدين ورطته العصابة إياها التى تعرفها من كتب المحفوظات العامة لدراما (الأكشن)، الكل يخون الكل، والكل ينتقم من الكل.
اللمحة المضيئة بين كل ذلك هى منى زكى، قدمت دورها مرشدة سياحية تدخل كالعادة مصادفة فى الدائرة، وتجد نفسها مطاردة حتى اللحظة الأخيرة، ولا بأس من نظرة فابتسام فكلام ومشاعر حب مع البطل.
السيناريو الذى كتبه محمد ناير وضع الشخصية فى العديد ومن المواقف الكوميدية، بداية من القطار الفاخر حيث تجلس بجوارها شيماء سيف إحدى أهم طاقات السعادة البشرية التى منحها الله لكل ناطقى العربية، مجرد أن تراها فى (الكادر) تُثير البهجة، تواجدها كضيف شرف يكفى جدا.. فما بالك عندما تجد أمامها أحمد السقا ومنى زكى، أيضا شيكو كان رائعا فى مشهدين أو ثلاثة.
ماذا عن الباقى الذين تواجدوا فى الكادر؟، أهم ما أسفر عنه الفيلم أننا شاهدنا الراحل زكى فطين عبدالوهاب فى إطلالة أعتقد أنها الأخيرة كأحد أفراد العصابة، والباقى (على حطة إيدك) كما رأيتهم فى الأدوار السابقة، أحمد فؤاد سليم ومحمد ممدوح ومحمد لطفى والجميلة ريم مصطفى، التى لا تزال تقع فقط تحت طائلة قانون الجمال المفرط، ما عدا ذلك، لم أعثر بعد على الممثلة. حتى بعد قتلها، لم أقتنع أنها قُتلت، المكياج الصارخ مع لون الدماء حال دون تصديقى، مؤكد ليس ذنبها أنها لم تعثر بعد على مخرج يتعامل معها كممثلة وليست فقط وجها جميلا، وكأنها الشىء لزوم الشىء، العصابة تحتاج لحسناء والجمهور أيضا.
ظافر العابدين ينتمى قطعا لثقافة سينمائية ودرامية مغايرة لمنهج الفيلم، إلا أنه قدم دوره لمجرد التواجد حتى تصل الرسالة لصناع السينما فى مصر، الذين حاولوا تقييده فى إطار نوع محدد فى الدراما، فى كل الأحوال كان يبدو على الشاشة (حافظ مش فاهم )، يؤدى وهو غير مقتنع، ولكنه يؤدى والسلام.
تلك التركيبة السينمائية كفيلم عيد أكشن وكوميديا وامرأة جميلة كان ينقصها لتكتمل التوليفة راقصة وأغنية مهرجانات.
فى كل الأحوال لايزال أحمد السقا رغم شىء من الترهل الذى بات باديا على جسده إلا أن التنفيذ جاء متقنا، ولا يزال تواجده على الشاشة يحقق درجة سخونة وحميمية تلمحها فى رد فعل الجمهور بمجرد رؤيته. ولا بأس وهو فى الخمسين من أداء أفلام (الأكشن).. النجم العالمى سالفستر ستالون فى السبعين ولا يزال يفعلها، إلا أنه يقدم إطارا دراميا مختلفا، وهو ما بات حتميا على السقا أن يفعله.. فما كان لائقا به فى فيلم (شورت وفانلة وكاب) وحتى (الجزيرة 2) يدفعه الآن وهو لا يزال فى ذروة الجماهيرية إلى أن ينتقل إلى إطار درامى آخر.
ويبقى سر هذا الفيلم والتى خرجت مكللة بالانتصار منى زكى، عندما اكتشفها محمد صبحى قبل نحو ثلاثة عقود من الزمان كان يرى فيها بذرة نجمة كوميدية، ولكنها لم تكمل المسيرة.. بين الحين والآخر تفعلها مثل فيلم (من 30 سنة) مع أحمد السقا أيضا فى دور شاعرة موهومة (حنان البغدادى)، وأنتظر أن يلتقط أحد هذا الملمح الطاغى لتبدأ رحلة مختلفة ستحقق فيها، ولا شك، نجاحًا استثنائيًا.
نعم، سلّمت أمام دار العرض (الجمجمة)، وأنت تغادرها الآن أطالبك بأن تبقيها تحت حراسة مشددة، لأن موعدنا غدًا مع ثالث أفلام العيد (زومبى) بطولة على ربيع، وما أدراك ما هو (على ربيع)!!.