توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

  مصر اليوم -

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

بقلم - طارق الشناوي

الشارع يموج بالزحام والأنواع، وبأصوات متباينة، يختلط فيها الزعيق، والغناء، والهتاف، وعزف الموسيقى، وتسمع من خلال الأصوات المدوية أبواق السيارات، ورنين أجراس بسكليت، أو عربة «حنطور» خاصة، وفرقعة السياط في أيدى سائقى عربات «الحنطور»، أحيانًا يلهبون بها ظهور الجياد، وأحيانًا يلهبون بها ظهور الصبية المتعلقين بمؤخرة عرباتهم، وأحيانًا يلهبون الهواء بسياطهم.. ليشقوا لهم طريقًا للمرور!.

إن الكلمات، والقهقهات هي الأخرى تترنح. الذين يزعقون تخرج الكلمات من أفواههم مبتورة ملتوية، كالسيرة المعوجة، أو السلوك السيئ!، والذين يقهقهون تعلو قهقهاتهم وتهبط، وتتقطع وتتمايل، كسكران شرب زجاجة كاملة من خمر ردىء!. والشارع يبدو كما لو كان متدثرًا في غطاء، فضاؤه تغطيه البالونات، يمسك بخيوطها الصبيان والباعة الجائلون، جدرانه تغطيها إعلانات الملاهى وصور المطربات والراقصات والمطربين.. النساء والفتيات والشبان والكهول غطوا الرصيف والطريق، أزياء الرجال متعددة الأشكال، عمائم وطرابيش وقبعات، جبب وقفاطين، وبذلات، ومعاطف وجلاليب عادية، وجلاليب من الصوف أو الحرير تولى حياكتها أشهر الخياطين، النساء يرتدين الفستان، أو الحبرة، أو المعطف، أو الملاءة اللف.. أكثرهن سافرات الوجوه، والأقلية منهن احتفظن باليشمك التركى، أو البرقع البلدى!.

لا يوجد مقعد خالٍ في مسرح، أو مقهى، أو دار سينما، أو كباريه.. وعلى أبواب المقاهى يعرض الحواة ألعابهم العجيبة. يحشون صدورهم بالثعابين، ويأكلون النار، ويبلعون المسامير.. وإلى جانبهم فرقة تعزف البيانولا، وبين أعضاء الفرقة مَن تخصص في المشى على يديه، ومَن تخصص في حمل بقية أعضاء الفرقة فوق قدميه!.. ومن كل ناحية تنطلق أغانٍ، وألحان، ترددها المجموعات، أو المطربون في المسرح، وترددها معهم الجماهير في الشارع الكبير!.

هكذا كان شارع عماد الدين، مساء يوم 31 ديسمبر من عام 1922.. وكان صاحب هذه الألحان والأغانى يمشى في الشارع، ويستمع إلى الناس، وهم يبدون إعجابهم به، فيأخذه الزهو، وتتملّكه نشوة النجاح، لقد سبق زمنه في الكشف عن حقيقة الأغنية، ووظيفتها، ومفهومها، وسبق زمنه أيضًا في الكشف عن مكانته، وموهبته، وعبقريته!.

أصبح صوت مصر.. صوت عاطفتها، ومرحها وألمها، ونضالها.. إنه صاحب كل هذه الألحان التي تعبر عن الحب، والحزن، والأمل، والتمرد على الظلم، والاستغلال، والاحتلال!.

إنه الرجل الذي انفعل بآلام الشيّالين والسقّايين، وغنى في وقت واحد: «ضيّعت مستقبل حياتى»، و«شفتى بتاكلنى أنا في عرضك»، و«فلفل فلفل اهرى يا مهرى»، و«زورونى كل سنة مرة»، و«بلادى بلادى لكِ حبى وفؤادى»، و«قوم يا مصرى مصر أمك بتناديك»، و«اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم».

إنه سيد درويش.. وكان في هذا العام قد بلغ من عمره الثلاثين، وبلغ في فنه قمة المجد والشهرة.. إنه ابن كل شارع في مصر، واحد من غمار الناس. عاش مشاعرهم، وتجاوب معهم، فجعل من فنه رئة يتنفسون بها!.

وفى شهر سبتمبر من عام 1923، أعد سيد درويش نشيدًا وطنيًّا ليغنيه مع المجموعة في حفل استقبال الزعيم سعد زغلول لمناسبة عودته من إحدى الرحلات. وسافر سيد درويش إلى الإسكندرية، ونام عند شقيقته في حى محرم بك، وفى اليوم المحدد للاحتفال، 15 سبتمبر، كانت المجموعة قد حفظت النشيد في الصباح، وانتظرت سيد درويش، ولكنه لم يحضر، ولم يعجب أحد لذلك، فقد كان الشيخ سيد لا يلتزم بأى موعد. وظهر سعد زغلول في الاحتفال، وعزفت المجموعة نشيد «بلادى بلادى لكِ حبى وفؤادى»، ورددت الجماهير هذا النشيد بقوة وحماسة، وأبدى سعد زغلول إعجابه باللحن الشعبى العظيم، وسأل: مَن الذي وضع هذا اللحن؟!. وقيل له: سيد درويش، فقال: أين هو لأُحييه؟. وقيل لسعد زغلول: لقد مات.. اليوم، مات سيد درويش!.

كامل الشناوى

مقطع من مقال يتجاوز 3 آلاف كلمة، رسم فيه الكاتب والشاعر الكبير كامل الشناوى ملامح سيد درويش، الذي نحتفل بمئويته خلال أيام، (جعل من فنه رئة للناس يتنفسون بها)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon