توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قبل أن يغادروا قطار الحياة

  مصر اليوم -

قبل أن يغادروا قطار الحياة

بقلم - طارق الشناوي

مع رحيل أحد كبار المبدعين الذين صنعوا حياتنا، أسأل هل استطعنا أن نوثق حياتهم، قبل وصولهم للمحطة الأخيرة في قطار الحياة؟

غالباً ما تصدمني الحقيقة، لم ننتبه، لا نستيقظ وكالعادة إلا بعد فوات الأوان، كل من تعاطى مع «الميديا»، يدرك أن اللحظة الساخنة والصاخبة بالأحداث غالباً ما تأخذ كل طاقتنا، ونادراً ما نجد متسعاً من الوقت لكي نقلب صفحات حياتنا، قبل أن يطويها النسيان، كثيراً ما نتكلم عن الماضي بفخر واعتزاز، ونعتقد أنه فقط منبع الجمال والصدق، ثم تكتشف أن عشرات من البرامج التي يتم تداولها عن الماضي، عبر «اليوتيوب» تحوي عشرات من الحكايات المختلَقة.

قبل أسابيع قليلة غادرتنا المطربة الكبيرة نجاح سلَّام، توجهنا جميعاً للأرشيف، لم نجد إلا شذرات، وبعضها قد يحمل أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، هل مثلاً قلنا لها في سنواتها الأخيرة، ونحن نتابع انسحابها التدريجي من الحياة الفنية: «شكراً»، ظلت نجاح تغني حتى بعد ارتدائها الحجاب، وأعادت ترديد جزء من رصيدها الساحر، الذي يفيض بهجة وسعادة.

كانت نجاح حريصة على أن تحلّق عربياً بجناحين، هما النغمة واللهجة اللبنانية موازية للنغمة واللهجة المصرية، تجمع بينهما ويصدقها الناس، وهي تغني في مصر للملحن العبقري، الذي تفيض موسيقاه بسحر بلد الأرز فيلمون وهبة، أو وهي تغني في لبنان برصانة وشرقية ومصرية رياض السنباطي.

كُثر قالوا إنها حفرت شريان حبها في قلوب المصريين بعد أن غنت قبل 70 عاماً «يا أغلى اسم في الوجود يا مصر»، التي أعاد غناءها قبل سنوات المطرب الإماراتي حسين الجسمي، والحقيقة أن نجاح سلَّام سكنت قلوب المصريين قبل ذلك، بصدقها وهي تغني باللهجة اللبنانية «برهوم حاكيني».

ليس مطلوباً من الفنان إتقان اللهجات العربية، فقط الإحساس الصادق، وبعدها لن يتحدث أحد عن جواز السفر.

في الستينات حقق المطرب السوري فهد بلان نجاحاً طاغياً مصرياً وعربياً وهو يغني باللهجة والنغمة السورية، وهو ما تكرر مع كاظم الساهر وهو يغني باللهجة العراقية.

أظنها لا تفرق معك مثلاً أن تعرف أن فريد الأطرش، حمل أربع جنسيات عربية، سوريا وهي بلد الميلاد، ولبنان ومصر والسودان، لم يكن بحاجة إلى وثيقة رسمية يحملها في يده ليسمح له بالدخول؟

هل استطعنا توثيق حياة كل هؤلاء؟ بين الحين والآخر، أقلب صفحات قديمة، وأكتشف أن حتى ما قاله بعض الكبار ومسجل في حضورهم وبلا «مونتاج»، ليس هو بالضبط الحقيقة، أحياناً تجد الشخصية العامة، مثل أي إنسان، يضطر لحذف معلومة أو تغيير وثيقة، ستكشف أن تاريخ الميلاد هو أكثر الإجابات التي يتم التلاعب فيها.

مثلاً بسبب أن عبد الحليم حافظ كان دائم السخرية من فريد الأطرش، ووصفه في أكثر من لقاء بأنه في عمر والده، كان فريد حريصاً في كل أحاديثه على نفي هذه المعلومة، باختصار سبع سنوات من عمره، فهو رسمياً مواليد 1910، إلا أنه يؤكد أنه 1917، أي أنه يكبر عبد الحليم فقط بنحو 12 عاماً، وبهذا لا يستطيع أن يعده ساخراً في مقام الوالد، مثلما كان عبد الحليم حافظ يسقط في كل أحاديثه تناول السنوات التي قضاها في ملجأ الأيتام، كما أن أم كلثوم لم تسمح أبداً لأحد بسؤالها عن مشاعرها كامرأة وجاءت إجابتها «بعد ما أموت اكتبوا، ولكن مشاعري الخاصة ليست للتداول الإعلامي».

هؤلاء الكبار وثَّقنا جزءاً من حياتهم، بينما في هذا الزمن، يغادرنا المبدعون تباعاً، والكثير من تفاصيل حياتهم، يضيع في زحام الافتراء والحكايات المختلقة، التي صارت مع الأسف هي العنوان.

عشرات من البرامج تقتات على الأكاذيب، وتمتلئ بها «الميديا»، وبسبب كثرة الإلحاح، تصبح وكأنها الحقيقة، فهل نستيقظ، ونوثّق تاريخهم، قبل أن يغادروا تباعاً قطار الحياة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل أن يغادروا قطار الحياة قبل أن يغادروا قطار الحياة



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon