توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«يا عواذل فلفلوا»

  مصر اليوم -

«يا عواذل فلفلوا»

بقلم - طارق الشناوي

كثيرًا ما تعلو بين الحين والآخر المطالبات بمصادرة بعض الأعمال الفنية التى يراها البعض مسيئة اجتماعيًا أو تتعارض مع ذائقته الفنية، أو الذوق العام، بينما التجربة أثبتت أنه لا وقت للمصادرة.

حكمة التاريخ تؤكد أن المنع والمطاردة تظل مهما بلغ عنفها وصرامتها مؤقتة، كما تؤكد شيئا آخر آراه أكثر أهمية، أن هناك دائما حكاية متداولة، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن الحقيقة، التى من الممكن أن تظل ساكنة سنوات أو عقودًا.

لديكم مثلا أغنية فريد الأطرش الشهيرة (يا عواذل فلفلوا)، عواذل لغويا تعنى اللائم بينما (فلفلوا) بالعامية المكايدة، فى مطلع الخمسينيات قرر رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس فى عهد الملك فاروق مصادرة الأغنية التى قدمها فريد فى فيلمه (آخر كدبة)، الحجة المعلنة تعارضها مع الذوق العام، ولم يكتف النحاس باشا بهذا القدر، بل هاجم فريد علنًا وطالبه بالارتقاء بمفردات أغانيه.

كان هذا هو المتداول، بينما الحقيقة المسكوت عنها، هى الصراع السياسى بين النحاس باشا وعلى ماهر باشا على رئاسة الوزراء، واعتبر النحاس أن الأغنية تنطق بلسان منافسه مخرجًا له لسانه، كما أنه انتقد الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى قال فى واحدة من أغنياته أنه سيهجر الوطن لو تركته حبيبته، واعتبرها النحاس باشا، أشبه بالخيانة الوطنية، ولم يطبع عبد الوهاب تلك الأغنية على أسطوانة.

ظلت رواية نجيب محفوظ (أولا حارتنا) ممنوعة من التداول منذ نهاية الخمسينيات برغم نشرها حلقات فى جريدة (الأهرام)، والتزم أديبنا الكبير بعدم التصريح بطبعها فى مصر حتى بعد حصوله على نوبل 1988، فهو لا يريد إثارة غضب المؤسسة الرسمية الدينية، ثلاثة من كبار المشايخ محمد الغزالى وسيد سابق وأحمد الشرباصى اعتبروها تمس الذات الإلهية، الرواية طبعت فى بيروت وكانت النسخ تتسلل إلى مصر بعيدا عن الرقابة، ولم يوافق نجيب محفوظ على طبعها، إلا بعد حصوله على ضوء أخضر، وكتب المقدمة د. أحمد كمال أبو المجد ود. محمد سليم العوا.

تعرض نجيب محفوظ لمحاولة الاغتيال بسبب (أولا حارتنا)، ومن قام بتنفيذ الجريمة قال فى التحقيقات إنه لم يقرأ الرواية، لكنه تلقى أمرا من أمير الجماعة، بقتل نجيب محفوظ، ونسى الناس الواقعة بكل ملابساتها، ولكنهم لم ينسوا أبدا (أولاد حارتنا).

أحيانا توافق الحكومة على عمل فنى، ثم بعد مرور فترة زمنية يأتى صوت آخر من الحكومة أيضا، معلنًا أنه يتناقض مع الذوق العام، لديكم مثلا عبد الحليم حافظ فى أغنية (أول مرة تحب يا قلبى) التى تم تداولها نهاية الخمسينيات فيلم (الوسادة الخالية)، لكن مع مطلع الثمانينيات وبحجة خدش الحياء، تم حذف مقطع (لسه شفايفى شايلة سلامك- شايلة أمارة حبك ليه) وبعد عشر سنوات عاد المقطع المحذوف وهو ما تكرر مع أغنية سعاد حسنى (بمبى) فى مقطع (بوسة ونغمض وياللا/نلقى حتى الضلمة بمبى).

الحكاية الأشهر قطعا هى (السح الدح أمبوه) لأحمد عدوية، انطلقت نهاية الستينيات، فصارت عنوانا للإسفاف والتردى، وتعرضت للمصادرة، وبدأت التفسيرات السياسية والاجتماعية تنعتها بأنها أحد توابع هزيمة 67.

ولم يكن هذا سوى اجتهاد فى التفسير، الأغنية موغلة فى القدم، ولم تنجح إلا عندما رددها صوت أحبه الناس، ومن بعدها صار، مستبعدًا من كل أجهزة الإعلام، يمر زمن ونعتبر فى مطلع الألفية الثالثة (السح الدح أمبوه) نموذجًا للأغنية الشعبية الرصينة، وعدوية يحمل لقب المطرب الشعبى الكبير، مثلما صارت (يا عواذل فلفوا) أحد أهم أغانينا المبهجة، الزمن يملك دائمًا أسلحة التصحيح وأيضًا الإنصاف، وهو أيضًا القادر إذا لزم الأمر أن يفلفل العواذل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«يا عواذل فلفلوا» «يا عواذل فلفلوا»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon