بقلم: عماد الدين حسين
يوم الأحد الماضى أصدر كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام القرار رقم ٦٢ لسنة ٢٠٢١ بتعديل لائحة الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام المؤسسات الصحفية والإعلامية بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها والقواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفى والإعلامى والأعراف المكتوبة «الأكواد». والملاحظة المبدئية أنها مصوغة باحترافية قانونية ومهنية عالية، جمعت بين القانون والفهم العام للمهنة وممارساتها.
القرار يتضمن بالأساس تنظيم التغطية الصحفية لحوادث الانتحار باعتبارها تتطلب قدرا أعلى من الحيطة والحذر مقارنة بالجرائم الأخرى. وأصدر المجلس ما سماه كودا فى هذه الصدد، وهو يتضمن كيفية تغطية حوادث الانتحار فى إطار تقديس واحترام حق الحياة، وبحيث تكون مناسبة لتحذير المجتمع من خطرها، وعدم اعتبار حوادثها وسيلة لزيادة المشاهدة والمبيعات، بل يكون هدفها الحد منها، وعدم تغطيتها باعتبارها أمرا عاديا، بل أمرا سلبيا وضارا، وعدم إبرازها، والحفاظ على خصوصية من تعرض للحادثة، وعدم استباق نتائج التحقيق، وعدم بث مقاطع الفيديو لحوادث الانتحار، وعند وجود ضرورة قصوى لتغطية حوادث الانتحار، فيجب تنبيه الجمهور للمحتوى شديد الحساسية، وعدم التشغيل التلقائى لمقاطع الفيديو وتقييد إمكانية نسخه ومشاركته وعدم تثبيته.
قبل هذا القرار الذى صدر فى الجريدة الرسمية، فإن المجلس الأعلى للإعلام وافق يوم الثلاثاء ٧ ديسمبر على مشروع «كود ضوابط وأخلاقيات نشر الجريمة»، واتخاذ الإجراءات القانوية وإرساله للنقابات والجهات المعنية لإبداء الرأى.
طبقا لهذا الكود فى مشروع القانون فإن المجلس الأعلى طالب وسائل الإعلام بالالتزام بمجموعة محددة من القواعد والمعايير أهمها: الاعتدال والحياد والموضوعية والصدق فى تناول الأخبار، وعدم الترويج أو دعم رواية أحد الأطراف على حساب طرف آخر، وتحقيق التوازن بين التغطية الاستقصائية والخبرية للجريمة وعدم التهوين أو التهويل، والاعتماد على المصادر الرسمية وشهود العيان والخبراء، وعدم النقل من المصادر المجهلة ووسائل التواصل الاجتماعى، وعدم نقل ونشر الشائعات، والتحقق دائما من صحة الخبر قبل نشره. ومن بين القواعد أيضا فحص المحتوى الداخلى اللازم قبل النشر والإلمام الكامل بالمعلومات والبيانات المتصلة بموضوع النشر أو البث.
ومعيار مهم هو أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته بحكم قضائى، وعدم نشر صور وأسماء المشتبه بهم طالما لم تتم إدانتهم. وأن مكافحة الجريمة هى الهدف النهائى لنشر أخبار الجرائم.
وكذلك عدم نشر المشاهد الصادمة أو القاسية، وأن يكون النشر فى إطار احترام الحق فى الخصوصية والكرامة الإنسانية ومراعاة حرمة الموتى. والحرص الشديد عند نشر جرائم الشرف والجرائم المتعلقة بأعراض الأفراد، وعدم نشر صور وأسماء ضحايا جرائم الاغتصاب أو التحرش. والحرص والحذر فى الجرائم ذات البعد القبلى أو الطائفى.
واحترام الوضع القانونى الخاص للأطفال كمتهمين أو شهود أو مجنى عليهم. وعدم نشر أخبار تتضمن خطابا للكراهية أو تشجع عليه. وتجنب التغطية السطحية لأخبار الجرائم، وعدم الإفراط فى مقدار التفاصيل الواجب نشرها فى طرق ارتكاب الجريمة، وعدم استباق نتائج التحقيقات والمحاكمات، والاختيار الجيد للوقت واللغة والعناوين للنشر، والالتزام الكامل بمقتضيات الأمن القومى، ثم بقرارات حظر النشر، واحترام حرمة الحياة الخاصة والخصوصية وضوابط النشر عن الأقارب وضحايا الجرائم، وتوقى الأضرار «بسمعة» البلاد بسبب نمط النشر أو البث، ودعم أجهزة الشرطة والقضاء وأجهزة إنفاذ القانون، والحذر عند نشر الأفعال الخطيرة أو الضارة وتدريب أطقم التغطية وتأهيلهم.
هذه هى المعايير أو القواعد وعددها ٢١، وقد تعمدت أن أنشرها بقدر كبير من التفصيل، نظرا لأهميتها، وهى تستحق نقاشا مفصلا كثيرا لأهميتها.
سؤالى الجوهرى: ما نسبة التزام وسائل الإعلام المصرية المكتوبة والمرئية والمسموعة بهذه القواعد؟
ظنى أن نسبة الالتزام بهذه القواعد قليلة إلى حد كبير. ومعظم ما ينشر ينتهك غالبية قواعد المهنية والإنسانية والأخلاقية.
النقطة المهمة جدا هى ضرورة تطبيق هذه القواعد بصورة صارمة. لدينا العديد من مواثيق الشرف والقرارات والقوانين، لكن للأسف نفتقد أحيانا لآليات التطبيق.
وبالتالى فالسؤال الجوهرى الذى ينبغى أن نسأله ونناقشه طوال الوقت هو: كيف تتحول هذه المواد والبنود والقواعد والمعايير إلى التطبيق العملى، والأهم أن تصبح جزءا من بيئة العمل الإعلامى؟