بقلم : عماد الدين حسين
نعم للتبرع لعمارة المساجد أو لأى مشروعات خيرية، لكن شرط أن يتم ذلك فى إطار العلانية والشفافية والحوكمة، وأن تصل التبرعات إلى أهدافها الفعلية، وليس إلى جيوب بعض العاملين فى المساجد، أو بعض الجهات المشبوهة.
جميعنا رأى وشاهد صناديق التبرعات فى غالبية المساجد، وجميعنا سمع العبارات الشهيرة التى تحض على التبرع، سواء فى المواصلات العامة أو الشوارع، وأشهرها «تبرع يا مؤمن لبناء بيت من بيوت الله».
وأتذكر جيدا خلال دراستى الجامعية، وكان أتوبيس النقل العام هو وسيلتى للمواصلات، هى صعود شخص ما ومعه صندوق، ويبدأ فى الخطابة داعيًا الجميع إلى التبرع لبناء مسجد، وأحيانًا مستشفى أو مستوصف، لكن بناء وترميم المساجد كان هو الوجه الأكبر لعملية التبرعات.
هل كل من يجمع تبرعات لص؟
بالطبع الإجابة هى لا، الغالية نيتها طيبة، لكن هناك آخرين استغلوا هذه العملية الخيرية للاستيلاء على أموال التبرعات فى جيوبهم الخاصة، وكانت هناك تقارير مختلفة تتحدث عن استغلال بعض الجماعات المتطرفة لأموال التبرعات فى عمليات غير مشروعة فى الداخل والخارج، وهناك تقديرات كثيرة بأن بعضا من هذه التبرعات ذهبت لتمويل جماعات إرهابية ومتطرفة فى الخارج.
من أجل كل ذلك فإن قرار وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة برفع صناديق التبرعات بصفة نهائية اعتبارا من يوم ١٥ نوفمبر الماضى، هو واحد من القرارات المهمة التى اتخذتها الوزارة لإصلاح هذا التشوه، وأن تتم عملية التبرعات بصورة واضحة.
الوزير قال إن القرار رقم ٣٧٣ لسنة ٢٠٢١ هدفه تنظيم عملية التبرع؛ لتكون فى إطار الحوكمة والنزاهة والشفافية من خلال الدفع غير النقدى، وأن تتوجه التبرعات إلى مواضعها الصحيحة، سواء فى عمارة المساجد أو خدمة الأسر والمجتمع، من خلال دورة مستندية شفافة.
الوزارة طلبت من الأئمة والعاملين بالأوقاف سرعة رفع صناديق التبرعات بالمساجد قبل نهاية مهلة الإثنين الماضى، لحين إنهاء إجراءات فتحها بمعرفة اللجان المختصة، ومن يخالف القرار سيعرِّض نفسه للمساءلة القانونية، وسيتم تحرير محضر جمع مال خارج إطار القانون، بل حل مجلس إدارة أى مسجد لا يلتزم بجميع التعليمات الصادرة بشأن ضوابط التبرعات وسرعة رفع الصناديق منها.
المصريون ربما يكونون من أكثر الشعوب المسلمة تبرعًا لعمارة المساجد، ويفعلون ذلك باقتناع حقيقى، لكن للأسف فإن جزءًا من هذه التبرعات لا يذهب لعمارة المساجد، وبالتالى وجب تدخُّل الدولة لإعادة ضبط الأمر.
المؤكد أن تطبيق هذا القرار الجرىء سوف يضرب فى مقتل اللوبى الذى يستغل تبرعات الناس لمصلحته الخاصة، ولذلك فسوف تحاول هذه اللوبيات مهاجمة الفكرة وانتقادها، بل وربما تصويرها باعتبارها للتضييق على المساجد، رغم أن الدولة تفتح عشرات المساجد كل يوم جمعة منذ شهور طويلة.
وزير الأوقاف يبذل جهودا كبيرة لضبط الأمور داخل وزارة الأوقاف منذ فترة طويلة، وهو يواجه بمقاومة شرسة من كل أنصار الجماعات المتطرفة والمتعاطفين معهم، وكذلك أصحاب المصالح الذين استفادوا من الفوضى الرهيبة طوال عقود ماضية، وكونوا ثروات ضخمة من خلال المتاجرة بمشاعر المواطنين الدينية، وبالتالى من المهم الاستمرار فى سياسة الحوكمة والشفافية، وكشف كل المتاجرين بالدين من أجل جيوبهم الخاصة، والضرب بيد من حديد على هذه اللوبيات التى قد تتحالف مع الشيطان من أجل استمرار مكاسبها الحرام.
أتمنى من وزارة الأوقاف أن تواصل عملية ضرب أوكار الفساد والمتاجرة بالدين من أول إجبار الناس على دفع مقابل وضع أحذيتهم خلال الصلاة، نهاية بالتبرع الإجبارى للمسجد أو لأى هدف آخر.