بقلم : عماد الدين حسين
فى ٤ نوفمبر ٢٠٢٠ أى حوالى قبل عام، أعلن آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى الحرب على إقليم التيجراى، بحجة أنه تمرد على سلطة الحكومة والجيش، وأجرى انتخابات نيابية منفردة. وبعدها بأسابيع أعلن آبى أحمد الانتصار الساحق على جبهة تحرير التيجراى، ودخلت قواته إلى مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم. لكن قوات الجبهة شنت هجمات مضادة، وتمكنت قبل شهور قليلة من طرد قوات آبى أحمد، وقبل أيام أعلنت أنها سيطرت على مدينتين استراتيجيتين مما يمكنها من إمكانية التقدم باتجاه العاصمة أديس أبابا التى لم تعد تبعد عنها سوى ٣٠٠ كيلومتر.
السؤال: كيف وصل نظام آبى أحمد وقواته إلى هذا المستوى المتردى، والأهم هل سيتمكن من الصمود، أم أن قوات التيجراى المتحالفة مع جيش تحرير أورومو، يمكنها فعلا دخول العاصمة وإسقاط نظام آبى أحمد؟!
حينما هاجمت قوات الجيش الاتحادى إقليم التيجراى فى ٤ نوفمبر العام الماضى، بحجة أن قوات جبهة تحرير التيجراى قد هاجمت قاعدة عسكرية اتحادية، فإنها حققت انتصارات عسكرية سريعة، لكن ذلك لم يستمر لأن الجبهة سرعان ما أعادت ترتيب أوراقها، وشنت حرب عصابات أنهكت الجيش الإثيوبى الذى اضطر لإعلان هدنة ووقف إطلاق النار بحجة إدخال المساعدات الإنسانية، لكن الحقيقة هى أنه انهزم هزيمة عسكرية واضحة، واضطر للانسحاب.
جبهة تحرير التيجراى لم تكتفِ بالسيطرة على معظم الإقليم ولكنها بدأت مطاردة قوات أحمد خارج الإقليم، وحققت إنجازات عسكرية أهمها السيطرة على مدينة ديسى الاستراتيجية ثم مدينة كومبولتشا، مما مكنها من قطع الطريق إلى جيبوتى الذى يعتبر الشريان الرئيسى للاقتصاد الإثيوبى.
إثيوبيا دولة حبيسة بلا شواطئ ولذلك فإن معظم الصادرات والواردات تمر عبر ميناء جيبوتى، ولذلك فإن سيطرة المعارضة على هذا الطريق يجعل الاقتصاد الإثيوبى يدفع ثمنا غاليا جدا، وتقديرات البنك الدولى أن الحرب كلفت الاقتصاد الإثيوبى أكثر من ٥٠٠ مليون دولار فى هذا العام فقط، وبالتالى فإن الاقتصاد الإثيوبى الذى كان الأسرع نموا فى أفريقيا، بمعدلات وصلت إلى ١٠٪ قد هبط هذا العام إلى ٢٪ فقط.
التطور الأهم هو التحالف الذى تم الإعلان عنه يوم الجمعة الماضى من واشنطن بين ٩ قوى لإسقاط آبى أحمد، وهى تتكون من جماعات مسلحة وقوى سياسية يمثلون بعض الأقاليم والعرقيات.
ممثل حركة «أجيو الديمقراطية» أدماسوتيجاى قال خلال التوقيع فى واشنطن إنه تم تشكيل «الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية»، وهى تتكون من قوات تحارب النظام الذى يرتكب إبادات جماعية، حسبما نقلت عن شبكة سى إن إن، التى تقول إن النظام يواجه تحديا جسيما فى مواجهة زحف المعارضة، التى تقول إنها باتت على بعد أسابيع أو أشهر من دخول العاصمة، خصوصا بعد سيطرتها على مدينة جربا جوراتشا، التى تبعد ١٦٠ كيلومترا عن أديس أبابا.
على الأرض فإن أساس التحالف الذى يواجه قوات آبى أحمد هو جبهة تحرير التيجراى وجيش تحرير أورومو.
فى حين أن أسياسى أفورقى رئيس إريتريا يعتبر الداعم الرئيسى لقوات آبى أحمد، لأنه يريد الثأر من التيجراى الذين كانوا رأس الحربة فى الصراع والحرب الدموية بين البلدين خلال ١٩٩٨ ــ ٢٠٠٠، إضافة إلى بعض الميليشيات فى إقليم الأمهرا التى تعتقد أنها يمكن أن تتقدم إلى واجهة الحكم بديلا للتيجراى فى حالة هزيمة الطرف الأخير.
بعد هذه التطورات، فإن هناك أسئلة كثيرة، بلا إجابات قاطعة أهمها، ما هى القدرات العسكرية لكل طرف من الأطراف المتصارعة، وهل صحيح أن الولايات المتحدة اتخذت قرارا بتغيير نظام آبى أحمد، خصوصا أن إعلان التحالف الجديد خرج من عاصمتها، وما هو موقف الصين الحليف الرئيسى لأحمد، والأهم إلى من ينحاز الشعب الإثيوبى، أم هو منقسم بدوره؟!
من الواضح، وبعد التطورات المتسارعة الأخيرة فى كل من إثيوبيا، وكذلك فى السودان، فإن المنطقة داخلة فى حالة من الغموض وعدم اليقين، مما يستلزم انتباها مصريا أكثر، خصوصا فى تأثير كل ذلك على قضية سد النهضة.