بقلم : عماد الدين حسين
الإعلان الترويجى لبرنامج «كلام فى السياسة» على قناة «اكسترا نيوز» ويقدمه الإعلامى أحمد الطاهرى يقول فى نهايته ليلة الجمعة الماضية: «الجمهورية الجديدة تتسع للجميع» وأرجو أن أعود قريبا إلى موضوع الحلقة المتعلقة بالدعم وبالأسعار.
توقفت كثيرا عند هذه العبارة، وأتمنى أن نشهد تطبيقا فعليا لها فى الفترة المقبلة.
هذا التوجه الذى بدأ قبل أسابيع أراه خطوة بالغة الأهمية، وأتمنى أن تستمر وتتطور لما فيه مصلحة مصر وشعبها.
المتابع للمشهد السياسى المصرى هذه الأيام سوف يلحظ العديد من المؤشرات التى قد تعطى أملا بأن مرحلة جديدة ومختلفة قيد التشكل.
المؤشر الأول والأساسى هو القرار الذى أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل ثلاثة أسابيع، بإلغاء حالة الطوارئ وعدم تمديدها، وهى الحالة الأساسية فى البلاد منذ عام ١٩٥٦ تقريبا.
صحيح أن الحكومة وضعت وبسرعة ملفتة بعض مواد قانون الطوارئ الملغى داخل قوانين أصدرتها قبل أسبوعين، لكن يظل إلغاء حالة الطوارئ تطورا مهما، يمكن البناء عليه.
المؤشر الثانى هو استراتيجية حقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أكثر من ستة أسابيع، وهى حصيلة جهد للعديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات الرسمية والشعبية والمجتمع المدنى بقيادة متميزة من وزارة الخارجية، ورغم العديد من الانتقادات من هنا وهناك، تظل هذه الاستراتيجية نقطة ضوء مهمة، حتى لو كان ضوءً خافتا، وإعلانها أمر مهم، يمكن تطويره للأفضل فى قادم الأيام.
المؤشر الثالث هو الإفراج عن العديد من المقبوض عليهم من الشخصيات العامة والسياسيين. إضافة إلى مئات من المسجونين غير المعروفين لوسائل الإعلام. وهؤلاء تم الإفراج عنهم من دون ضجة إعلامية، بعد أن ثبت أنهم لا يشكلون خطرا على الاستقرار والأمن العام.
كما تم أيضا عودة بعض ممن كانوا يعارضون النظام من الخارج وإطلاق سراحهم، وعودتهم لممارسة حياتهم الطبيعية.
المؤشر الرابع هو انفتاح بعض وسائل الإعلام العامة والخاصة على استضافة أصوات وطنية لم يكن ظهورها متاحا فى السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال شاهدت محمد أنور السادات وعبدالله السناوى ومحمد سعد عبدالحفيظ، ويحسب لبرنامج المشهد فى قناة «تن» الذى يقدمه الإعلاميان نشأت الديهى وعمرو عبدالحميد أنه بادر باستضافة العديد من الأصوات المختلفة وفتح المجال العام لنقاش موضوعى حول العديد من القضايا المهمة من دون حساسيات، وهو أمر لم يكن موجودا فى الفترة الأخيرة. وقد سعدت بالاستماع لأصوات وطنية عاقلة مثل عبدالمنعم سعيد وخالد عكاشة وضياء رشوان وعصام شيحة وأكرم القصاص.
الجديد لم يكن فى أسماء المتحدثين فقط، ولكن فى طرق موضوعات كثيرة مهمة، بعيدا عن الصوت العالى والصراخ والتخوين وبعيدا عن الغرق فى الماضى حول ثنائيات متصادمة، بل من المهم النظر للمستقبل.
البعض سيقول إن كل ما سبق لا يمثل تحولا مفاجئا أو جوهريا، بل هو مجرد مسكنات، لا تعنى أن هناك تطورا جديدا. هؤلاء يؤمنون بنظرية مثالية غريبة وهى ضرورة حدوث التغيير بكبسة زر وفورا وحالا، وهو أمر لا تعرفه السياسة فى معظم الأحوال.
لا أتصور أن يحدث هذا التغيير المفاجئ فى مصر أو فى أى بلد يعيش مثل ظروفها بصورة فجائية سريعة، وأغلب الظن هو التغيير التدريجى الهادئ بطريقة الخطوة خطوة، وأن يتزامن هذا التطور السياسى مع التطورات الأمنية والاقتصادية ومع أوضاع المنطقة.
ظنى أن مصر والحمد لله صارت مستقرة أمينة بصورة لافتة وتمكنت من توجيه ضربات موجعة للإرهابيين والمتطرفين، واستعادت عافيتها خارجيا، كما أن معدلات الأداء الاقتصادى فيها متطورة مقارنة بالظروف الصعبة فى المنطقة والعالم خصوصا بعد انتشار فيروس كورونا والارتفاعات المستمرة فى أسعار السلع الاساسية عالميا.
تحية لكل أصحاب هذا التوجه الجديد، ونتمنى أن يزداد ويتوسع هذا الأمر بحيث نستمع لكل الأصوات والآراء باستثناء المتطرفين والإرهابيين وتجار الدين، بما يفتح الباب واسعا أمام نقلة نوعية ليس فقط فى الاقتصاد والمشروعات بل فى السياسة أيضا، ووقتها يحق لنا أن نقول إن هناك مصر جديدة فعلا.