بقلم : عماد الدين حسين
ما الذى ينبغى علينا كعرب أن نفعله مع إيران؟!.. هل نندفع إليها بأقصى قوة، أم نقاطعها تماما كما كنا نفعل مع إسرائيل فى غابر الأزمان؟!
أطرح هذا السؤال بمناسبة التسريبات الآتية من مفاوضات فيينا بين إيران والدول الست الكبرى بشأن التوصل إلى اتفاق جديد للبرنامج النوى الإيرانى.
هذه التسريبات تشير إلى حدوث تقدم فى المفاوضات دفعت مسئولا أوروبيا أن يقول لوكالة رويترز قبل أيام أنه جرى التوصل لصياغة ٨٠٪ من مواد الاتفاق المتوقع، وبعدها قال وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبداللهيان إن الاتفاق فى متناول اليد اذا خلصت النوايا الغربية. لكن هناك أيضا تعثرا فى المفاوضات فى الأيام الأخيرة بسبب اتهام كل طرف للآخر بأنه متصلب ويتراجع عن تعهداته.
نعود للسؤال الجوهرى الذى يخصنا كعرب، وما الذى ينبغى علينا أن نفعله بافتراض إمكانية أن نستيقظ ذات صباح على خبر يقول إن الطرفين قد توصلا بالفعل إلى اتفاق جديد يقضى برفع كامل العقوبات الأمريكية والعربية عن طهران وإعادة دمجها فى المشهد السياسى مقابل التزامها بسلمية برنامجها النووى وهو ما سيقود بطبيعة الحال إلى أن تلعب دورا إقليميا مهما وبدعم ورضاء من غالبية القوى الكبرى.
الخطأ الأكبر الذى يقع فيه العرب دائما مع إيران أن بعضهم يتعامل معها بصورة أفضل مما يتعامل بها مع أشقائه العرب، والبعض الآخر يكرهها بأكثر مما يكره إسرائيل بمراحل.
وظنى أن كلتا الحالتين خاطئتان، وتنتميان للتفكير العاطفى والحماسى والقبلى، بأكثر مما تنتمى إلى روح العصر والمنطق والمصلحة.
منطق المصلحة يفرض علينا التعامل مع إيران أو غيرها حسب مصلحتنا العملية، وليس حسب عواطفنا فقط.
بالطبع تتحمل إيران قسطا من المسئولية عما وصلت إليه علاقاتها مع العرب، لأنها اعتمدت فى معظم الأحيان على منطق محاولات السيطرة والهيمنة والاستحواذ سواء أيام الشاه أو بعد الثورة الايرانية عام 1979. هى رفعت مرارا شعارات الأخوة الإسلامية، لكنها فى معظم الأحيان كانت تسعى لتعظيم مصالحها القومية الفارسية.
ليس عيبا أن تسعى إيران لتحقيق مصالحها، وليتنا نفعل نحن العرب مثلها، ونسعى لتحقيق مصالحنا القومية العربية.
كان من المنطقى ألا نربط علاقتنا مع إيران بالموقف الغربى خصوصا الأمريكى، بل حسب مصالحنا القومية فقط. وكان من المنطقى أن يكون هناك موقف عربى موحد من إيران، أو على الأقل من الدول الفاعلة بدلا من تفاوض كل طرف معها على حدة، مثلما حدث أيضا فى العلاقة مع تركيا.
كان من المنطقى أشياء كثيرة، لكنها للأسف لم تحدث فى معظم الأحيان، ولذلك فإن النتيجة النهائية الدائمة أن غالبية الدول الإقليمية الكبرى فى الإقليم من أول إسرائيل مرورا بتركيا وإيران نهاية حتى بإثيوبيا، تحقق أهدافها ومصالحها على حسابنا دائما.
وجود حد أدنى من التنسيق العربى تجاه الدول الإقليمية كان كفيلا بألا يجعل الأمور تصل إلى ما وصلت إليه من قاع لم نكن نظن أننا بالغوه.
ولأن البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد، فلا تزال هناك إمكانية لبلورة الحد الأدنى من التوافق العربى، ولا نقول الإجماع تجاه إيران لأنه أغلب الظن لن يحدث، وألا نربط علاقتنا بها بالمصالح الأمريكية أو الإسرائيلية.
إيران ــ أحببناها أو لا ــ دولة مهمة وموجودة فى الإقليم، فى حين أن إسرائيل كيان تم زرعه عنوة وغصبا، ولا مستقبل له فى المنطقة، طال الزمن أم قصر. إيران تتوسع وتهيمن مثل تركيا، ومثل إسرائيل، لأن الضعف العربى مغرٍ جدا للبلدان الثلاثة. وبالتالى فنقطة الانطلاق هى أن تجلس الدول العربية الفاعلة، لكى تضع نقاطا أساسية تكون منطلقا وركيزة أساسية فى علاقتها مع إيران، هذه الركيزة هى المصالح ثم المصالح ثم المصالح، ولا ننتظر الإذن الأمريكى أو الإسرائيلى، حتى لا نخسر مرتين وثلاثا كما نفعل دائما منذ عقود.