بقلم: عماد الدين حسين
كيف يمكن إجراء انتخابات رئاسية فى ليبيا بعد أيام قليلة فى ٢٤ ديسمبر الجارى، تعقبها انتخابات برلمانية الشهر المقبل فى حين أن الميليشيات المتطرفة والإرهابية تسيطر على العاصمة طرابلس والعديد من مدن الغرب الليبى، ويتحدى قادتها الجميع علنا ويؤكدون أنهم لن يسمحوا بإجراء انتخابات؟
ما حدث يوم الأربعاء الماضى فى طرابلس كان صادما، لكنه متوقع للمراقبين.
فجأة استيفظ الليبيون فى طرابلس على انتشار مجموعات مسلحة تخص جماعات متطرفة وإرهابية انتشرت فى العديد من مناطق العاصمة، وحاصرت العديد من المؤسسات الحكومية خصوصا المجلس الرئاسى ومقر الحكومة والعديد من الوزارات خصوصا الدفاع والداخلية، بل اقتحمت ميليشيا الإرهابى صلاح بادى مقر المجلس الرئاسى فى منطقة النوفليين غربى العاصمة، وطردت الأجهزة الأمنية والموظفين من داخلها، لدرجة أن محمد المنفى رئيس المجلس الرئاسى طلب النجدة من قوة عسكرية لحمايته وأسرته خوفا من اقتحام منزله بعد تلقيه تهديدات.
بعد هذا التطور ظهر فيديو للإرهابى صلاح بادى يقول فيه إنه يرفض إقالة المجلس الرئاسى لآمر المنطقة العسكرية لطرابلس عبدالباسط مروان وتكليف عبدالقادر منصور بدلا منه.
بادى قال فى الفيديو إنه يرفض إجراء الانتخابات الرئاسية، وهدد بغلق كل مؤسسات الدولة وقال نصا: «لن تكون هناك انتخابات طالما رجاله موجودون».
قبل هذا التحدى السافر فإن ميليشيات بادى هاجمت العديد من المحاكم والمراكز الانتخابية.
كما هاجم بادى مستشارة الأمم المتحدة ستيفانى ويليامز، واعتبر أن دورها إجرامى.
لكن من هو صلاح بادى الذى يتصرف وكأنه الحاكم الفعلى لليبيا؟!
بادى هو الذى قاد العملية العسكرية المسماة «فجر ليبيا» فى عام ٢٠١٤ اعتراضا على الانتخابات النيابية، التى انهزم فيها تنظيم جماعة الإخوان هزيمة منكرة. فى هذه العملية استولى بادى وميليشياته على العاصمة طرابلس ودمر معظم منشآتها الحيوية خصوصا مطار طرابلس الدولى.
«لواء الصمود» الذى يترأسه بادى هو عمليا الجناح المسلح لجماعة الإخوان، وبادى يحمل الرقم ٧١ فى قائمة مجلس نواب ليبيا للمتورطين فى جرائم حرب داخل البلاد، وعام ٢٠١٨ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات عليه، وكذلك أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا قرارات مماثلة منها تجميد أرصدته ومنعه من السفر. جرائم بادى وأمثاله من قادة الميليشيات ليست الأولى، لكنها متكررة منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافى فى ديسمبر ٢٠١١.
عمليا يفترض أن حكومة عبدالحميد الدبيبة هى التى تحكم العاصمة، ويعترف بها المجتمع الدولى، لكن على أرض الواقع فإن هناك حوالى ٣٥ ميليشيا تسيطر على العاصمة وضواحيها، وترتكب جرائم مستمرة، بدعم من دول مختلفة صارت معروفة للجميع.
هذه الميليشيات اقتحمت مؤخرا مقر وزارة الشباب واعتدت على العاملين بالسلاح، وهددت بعض المسئولين والوزراء مثل وزير الإعلام محمد بعيو وزير المالية وفرج بومطارى، وحاولت اقتحام مبنى رئاسة الوزراء فى طريق السكة. وهذه الميليشيات اختطفت رئيس ديوان مجلس الوزراء وهو ما فعلته أيضا مع حكومة فايز السراج السابقة، الذى استجاب لها وعين بعض قادتها فى مناصب عليا وبعثات دبلوماسية بالخارج.
هذا جزء بسيط من سجلات الميليشيات الإرهابية، وبالمناسبة فإن قرار اتفاق وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب ينص على ضرورة نزع سلاح الميليشيات وإخراجها من المدن وحلها.
السؤال: هل يمكن إجراء انتخابات فى ظل وجود هذه الميليشيات خصوصا بعد ما فعلته يوم الأربعاء؟!
رئيس لجنة الشئون الداخلية فى البرلمان الليبى سليمان الحرارى أجاب عن هذا السؤال، وقال إنه ينبغى على مختلف السلطات الليبية خصوصا مجلس النواب أن يتحمل مسئولياته، ويتحدث بشكل صريح وحاسم للشعب بعدم إمكانية إجراء الانتخابات فى ٢٤ ديسمبر الجارى.
بالطبع فإن تأجيل الانتخابات أمر مزعج، ويعيد الأمور إلى المربع صفر، وفى المقابل إن إجراءها صار مطلبا دوليا، لكن السؤال هو كيف يمكن إجراء أى انتخابات فى ظل هذه البلطجة من جانب قادة الميليشيات؟ وفى ظل عدم إعلان القائمة النهائية للمرشحين حتى الآن، وعدم بدء الدعاية الانتخابية.
صار واضحا للشعب الليبى والمجتمع الدولى أن هذه الميليشيات مجرد أذرع لجماعات التطرف والإرهاب والدول التى ترعاها وتمولها وتشجعها ليل نهار.
هذه الدول والميليشيات تدرك جيدا أن أى انتخابات أو استقرار سياسى سيعنى عمليا نهاية دورها وامتيازاتها وخدماتها وبلطجتها، وبالتالى فلا يمكن الحديث عمليا عن انتخابات حقيقية ونزيهة فى ظل وجود هذه الميليشيات، إلا إذا حدثت معجزة.