بقلم: عماد الدين حسين
أعتقد أن غالبية الناس فى مصر وفى معظم بلدان العالم لا تنشغل كثيرا بكلام خبراء الاقتصاد والبورصة والأسواق، حينما يتحدثون عن المصطلحات الاقتصادية من تضخم وعجز ونسب نمو وبطالة وفائدة ومؤشرات كلية.. إلخ.
الذى يفهمه الناس هو أشياء بسيطة جدا: ما الذى سوف نتقاضاه فى نهاية كل شهر، وهل ستزيد دخولنا أم تقل، وهل تكفى احتياجاتنا الأساسية أم لا، وهل سندفع رسوما وضرائب أكثر أم أقل؟!
بالنسبة لرجال الأعمال والمستثمرين، فإنهم يهتمون إضافة لما يشغل المواطن العادى، بنسب الضرائب والرسوم والجمارك وهل هى عالية أم منخفضة أم متوسطة، والتسهيلات البنكية، وحوافز التصدير، وثبات القوانين وعدم تغيرها كل فترة، وسهولة الإجراءات واختفاء التعقيدات الروتينية.
طبعا لا يعنى كلامى مطلقا التقليل من أهمية المصطلحات الاقتصادية أو تحليلات الخبراء، بل أراها فى غاية الأهمية، وأتمنى أن يفهمها الناس ويتعاطفون معها، حتى تيسّر عليهم فهم الكثير من الأمور. لكن هنا أتحدث فقط عما يفهمه الناس من أخبار الاقتصاد.
حينما يقال لعموم الناس إن نسبة التضخم قد ارتفعت عالميا ومحليا، فإنهم لن يشغلوا أنفسهم كثيرا بمصطلح التضخم، بل سيفهمون فقط أن أسعار السلع سوف ترتفع، لأن الطلب أكثر من العرض، ولا يوجد المزيد من الإنتاج. وأن التضخم يعنى أن قيمة ما هو موجود فى جيوبهم من أموال سوف تقل بنفس نسبة التضخم.
وحينما يقال للناس إنه تم تحرير سعر الجنيه لمواجهة الظروف العالمية الصعبة فإن ما سيصل إليهم هو أن قيمة ما يملكونه بالجنيه المصرى سوف تقل بنفس النسبة التى انخفضت بها قيمة الجنيه، أو النسبة التى ارتفعت بها العملات الأجنبية المختلفة.
اللغة التى يفهمها الناس بسهولة كبيرة، هى ما فعلته الحكومة يوم الإثنين الماضى، بعد رفع سعر الفائدة وتحريك سعر الجنيه انخفاضا أمام الدولار، حينما قالت إنها ستقدم حزمة مالية تصل إلى١٣٠ مليار جنيه، للحد من آثار التضخم والتعويم سيفهم الناس قرار رفع حد الإعفاء الضريبى الشخصى من ٩ آلاف جنيه إلى ١٥ ألف جنيه وأن هذا يعنى تحريك حد الإعفاء ليشمل المواطن الذى يصل دخله إلى ٣٠ ألف جنيه بدلا من ٢٤ ألف جنيه. وبعبارة بسيطة يفهمها الجميع فإن كل مواطن يصل دخله إلى ٢٥٠٠ جنيه لن يدفع أية ضرائب.
الناس ستفهم أيضا أن القرار السابق بزيادة المرتبات والمعاشات والذى كان مفترضا أن يتم تطبيقه من راتب شهر يوليو المقبل سيتم تطبيقه من راتب شهر أبريل بتقديم ثلاثة أشهر، وهو ما سيكلف الحكومة نحو ٨ مليارات جنيه، وهو ما سينطبق على المعاشات أيضا التى قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى زيادتها إلى ١٣٪ بتكلفة إضافية ٩ مليارات جنيه.
الصناع والمستثمرون سيغضبون من رفع سعر الاقتراض، لكنهم سيفهمون بوضوح مغزى تثبيت الحكومة لسعر الدولار الجمركى عند ١٦ جنيها للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج حتى آخر أبريل المقبل، بدلا من السعر المتحرك للدولار والذى تجاوز الـ١٨٫٥ جنيه فى الأيام الماضية.
والذى سيفهمه المستثمرون أن رفع سعر الفائدة على الإيداع أو الاقتراض سيعنى زيادة أعباء الاقتراض من البنوك من أجل التوسع فى أعمالهم، وبالتالى فهناك احتمال أن تتعثر المشروعات أو على الأقل لا تزيد، وبالتالى تزيد نسب البطالة.
أصحاب المعاشات والعديد من الأسر المتوسطة ستفرح كثيرا بشهادة الـ١٨٪ لمدة عام ارتفاعا من نسب الفائدة الموجودة الآن والتى تقل عن ١١٪ تقريبا. هى بالنسبة لهم تعنى أنهم سيحصلون على مقابل مرتفع نظير ودائعهم، يعوضهم عن الارتفاع المتوقع فى أسعار غالبية السلع.
عموما أتمنى أن تبذل الحكومة ووسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعى المزيد من الجهد لزيادة وعى الناس جميعا بالشئون الاقتصادية، حتى يكونوا على بينة مما يحدث فى العالم، ولماذا اضطرت الحكومة إلى اتخاذ هذه الإجراءات الصعبة يوم الإثنين الماضى، إذا عرفوا هذه التفاصيل، وفهموا المصطلحات الاقتصادية فربما سيكون غضبهم أقل. وتحملهم أكثر، وإلى أن يحدث ذلك فلن ينشغلوا إلا بما يدخل جيوبهم، وبأسعار السلع والخدمات.
كان الله فى عون الجميع هذه الأيام مواطنين وحكومة.