توقيت القاهرة المحلي 06:10:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صورة والدي الأخيرة

  مصر اليوم -

صورة والدي الأخيرة

بقلم : عماد الدين حسين

هذه السطور عن أبى رحمه الله، أستأذن القراء الأعزاء فى كتابتها علها تساعدنى على العودة للحياة العادية الطبيعية.
فى تمام الساعة السابعة والثلث من صباح يوم الثلاثاء قبل الماضى، اتصل بى أحد أبناء عمومتى من أسيوط.
وحينما رأيت الرقم، عرفت أنه سيخبرنى بالخبر الأسوأ والذى حاولت أن أهرب كثيرا من إمكانية حدوثه.
قبل سنوات طويلة قرأت مقولة تقول: «الموت فعل يخص الآخرين»، وهى مقولة صحيحة إلى حد كبير، حيث يعتقد الكثير منا أن الموت لن يقترب من قريب أو حبيب له، وحينما يحدث ذلك، نتذكر أن الموت هو الحقيقة المطلقة الوحيدة التى يؤمن بها كل سكان العالم بلا استثناء.
وبالتالى فالعبارة الصحيحة هى أن الموت فعل يخص الجميع، والحياة عبارة عن قطار يركبه الجميع، وكل واحد منا سينزل فى محطة ما، طال الزمن أو قصر.
اتصل قريبى وقال لى البقية فى حياتك.
بكيت كما لم أبك من قبل، وغادرت وزوجتى بسرعة إلى مسقط رأسى فى قرية التمساحية بمركز القوصية بمحافظة أسيوط.
يوم الخميس قبل الماضى ٤ نوفمبر، أصيب والدى بجلطة صعبة فى المخ، حينما كان يتناول الغداء فى البيت، ومن سوء حظه، كما قال لى الأطباء المعالجون إن بعضًا من الأكل نزل على الرئة وحدث ارتجاع، فضاعف من المشكلة، إضافة إلى أنه كان يعانى أصلا من السكر والضغط، وأجرى قبل ثلاثين عاما عملية قلب مفتوح، لأنه كان مدخنا شرها، ومحبا لكل أنواع المأكولات المسبكة التى تتعب القلب وسائر أعضاء الجسم.
الجلطة هى الثانية خلال عامين وأدت إلى توقف مراكز الحركة والكلام والغياب التام عن الوعى. إضافة إلى شكوك أنه ربما أصيب بكورونا.
زرت والدى فى المستشفى الجامعى بأسيوط مع إخوتى، كلمناه كثيرا وهو غائب عن الوعى، لكن إحساسى كان يقول لى إنه يسمعنا، لكنه لا يستطيع الرد.
الأطباء المعالجون وبعضهم أقارب ومعارف، قالوا لى أكثر من مرة وبصورة واضحة لا لبس فيها إن الحالة صعبة جدا وخطيرة وإن نسبة الوعى لا تزيد على ٤ درجات، علما بأنها عند الإنسان السليم تصل إلى ١٥ درجة.
تركت المستشفى وأنا متوقع أن أسمع النبأ المحزن فى أى لحظة، وكلما جاءنى اتصال من أحد إخوتى خصوصا الأصغر بهاء الدين الذى كان بجوار أبى ظننت أنه سيقول لى الخبر المؤلم.
قبل الوفاة بساعات قال لى أحد الأصدقاء فى حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية، وكان يعرف أن أبى مصاب بجلطة فى المخ: «سوف أقول لك كلاما قد يصدمك، عليك أن تدعو ربك أن يحسن خاتمة أبيك، وأن يتوفاه عزيزا كما عاش عزيزا».
قلت له وما هى العزة فى الموت؟ فقال أن يموت الإنسان وهو واقف على قدميه، ومن دون أن يتعذب فى المرض ويتعب نفسه ومن حوله، وأن أحد أقاربه أصيب بجلطة مماثلة وظل سنوات طويلة قعيدا وغائبا عن الوعى، وكان أهله يدعون له طوال الوقت أن يشفيه الله شفاء كاملا، أو يتوفاه بسرعة حتى يستريح من العذاب.
غادرت القاهرة ووصلت إلى بيت أبى وأمى وطوال الطريق على الصحراوى الغربى، وكلما اتصل بى أحد الأصدقاء معزيا أنهار باكيا، دخلت البيت وقابلت أمى فبكيت أكثر، مشفقا على حالتها بعد وفاة أبى حيث تزوجا نهاية عام ١٩٥٨.
صلينا العصر، ثم صلينا الجنازة، وبعدها ذهبنا إلى مقابر عائلتنا التى تقع خلف سور الدير المحرق مباشرة.
أصررت على النزول للقبر مع أخى، كى ألقى النظرة الأخيرة على أبى، وساعدت فى وضعه فى القبر بالصورة الصحيحة ثم كشفنا وجهه، والحمد لله أنه كان مرتاحا وهادئا كما رأيته آخر مرة فى المستشفى.
خرجنا من المقبرة وأغلقناه بالطوب، ثم أهلنا علينا التراب، وبدأت أفكر فى هذا المشهد الأخير ودلالاته وعبره ومواعظه، لكن صورة أبى الأخيرة فى القبر لا تزال تلازمنى وسوف تظل كذلك.
وأتمنى أن أعود للموضوع مرة أخرى وأخيرة عن علاقتى بأبى، فربما تكون ذات فائدة لكيفية تعامل الآباء مع أبنائهم.
يرحم الله أبى وجميع أمواتنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة والدي الأخيرة صورة والدي الأخيرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon