توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صورة والدي الأخيرة

  مصر اليوم -

صورة والدي الأخيرة

بقلم : عماد الدين حسين

هذه السطور عن أبى رحمه الله، أستأذن القراء الأعزاء فى كتابتها علها تساعدنى على العودة للحياة العادية الطبيعية.
فى تمام الساعة السابعة والثلث من صباح يوم الثلاثاء قبل الماضى، اتصل بى أحد أبناء عمومتى من أسيوط.
وحينما رأيت الرقم، عرفت أنه سيخبرنى بالخبر الأسوأ والذى حاولت أن أهرب كثيرا من إمكانية حدوثه.
قبل سنوات طويلة قرأت مقولة تقول: «الموت فعل يخص الآخرين»، وهى مقولة صحيحة إلى حد كبير، حيث يعتقد الكثير منا أن الموت لن يقترب من قريب أو حبيب له، وحينما يحدث ذلك، نتذكر أن الموت هو الحقيقة المطلقة الوحيدة التى يؤمن بها كل سكان العالم بلا استثناء.
وبالتالى فالعبارة الصحيحة هى أن الموت فعل يخص الجميع، والحياة عبارة عن قطار يركبه الجميع، وكل واحد منا سينزل فى محطة ما، طال الزمن أو قصر.
اتصل قريبى وقال لى البقية فى حياتك.
بكيت كما لم أبك من قبل، وغادرت وزوجتى بسرعة إلى مسقط رأسى فى قرية التمساحية بمركز القوصية بمحافظة أسيوط.
يوم الخميس قبل الماضى ٤ نوفمبر، أصيب والدى بجلطة صعبة فى المخ، حينما كان يتناول الغداء فى البيت، ومن سوء حظه، كما قال لى الأطباء المعالجون إن بعضًا من الأكل نزل على الرئة وحدث ارتجاع، فضاعف من المشكلة، إضافة إلى أنه كان يعانى أصلا من السكر والضغط، وأجرى قبل ثلاثين عاما عملية قلب مفتوح، لأنه كان مدخنا شرها، ومحبا لكل أنواع المأكولات المسبكة التى تتعب القلب وسائر أعضاء الجسم.
الجلطة هى الثانية خلال عامين وأدت إلى توقف مراكز الحركة والكلام والغياب التام عن الوعى. إضافة إلى شكوك أنه ربما أصيب بكورونا.
زرت والدى فى المستشفى الجامعى بأسيوط مع إخوتى، كلمناه كثيرا وهو غائب عن الوعى، لكن إحساسى كان يقول لى إنه يسمعنا، لكنه لا يستطيع الرد.
الأطباء المعالجون وبعضهم أقارب ومعارف، قالوا لى أكثر من مرة وبصورة واضحة لا لبس فيها إن الحالة صعبة جدا وخطيرة وإن نسبة الوعى لا تزيد على ٤ درجات، علما بأنها عند الإنسان السليم تصل إلى ١٥ درجة.
تركت المستشفى وأنا متوقع أن أسمع النبأ المحزن فى أى لحظة، وكلما جاءنى اتصال من أحد إخوتى خصوصا الأصغر بهاء الدين الذى كان بجوار أبى ظننت أنه سيقول لى الخبر المؤلم.
قبل الوفاة بساعات قال لى أحد الأصدقاء فى حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية، وكان يعرف أن أبى مصاب بجلطة فى المخ: «سوف أقول لك كلاما قد يصدمك، عليك أن تدعو ربك أن يحسن خاتمة أبيك، وأن يتوفاه عزيزا كما عاش عزيزا».
قلت له وما هى العزة فى الموت؟ فقال أن يموت الإنسان وهو واقف على قدميه، ومن دون أن يتعذب فى المرض ويتعب نفسه ومن حوله، وأن أحد أقاربه أصيب بجلطة مماثلة وظل سنوات طويلة قعيدا وغائبا عن الوعى، وكان أهله يدعون له طوال الوقت أن يشفيه الله شفاء كاملا، أو يتوفاه بسرعة حتى يستريح من العذاب.
غادرت القاهرة ووصلت إلى بيت أبى وأمى وطوال الطريق على الصحراوى الغربى، وكلما اتصل بى أحد الأصدقاء معزيا أنهار باكيا، دخلت البيت وقابلت أمى فبكيت أكثر، مشفقا على حالتها بعد وفاة أبى حيث تزوجا نهاية عام ١٩٥٨.
صلينا العصر، ثم صلينا الجنازة، وبعدها ذهبنا إلى مقابر عائلتنا التى تقع خلف سور الدير المحرق مباشرة.
أصررت على النزول للقبر مع أخى، كى ألقى النظرة الأخيرة على أبى، وساعدت فى وضعه فى القبر بالصورة الصحيحة ثم كشفنا وجهه، والحمد لله أنه كان مرتاحا وهادئا كما رأيته آخر مرة فى المستشفى.
خرجنا من المقبرة وأغلقناه بالطوب، ثم أهلنا علينا التراب، وبدأت أفكر فى هذا المشهد الأخير ودلالاته وعبره ومواعظه، لكن صورة أبى الأخيرة فى القبر لا تزال تلازمنى وسوف تظل كذلك.
وأتمنى أن أعود للموضوع مرة أخرى وأخيرة عن علاقتى بأبى، فربما تكون ذات فائدة لكيفية تعامل الآباء مع أبنائهم.
يرحم الله أبى وجميع أمواتنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة والدي الأخيرة صورة والدي الأخيرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon