بقلم: عماد الدين حسين
فى الأسبوع الماضى قابلت دبلوماسيا أوروبيا مرموقا على هامش أحد الاحتفالات بالقاهرة الجديدة.
هذا الدبلوماسى يقرأ أحيانا بعض مقالاتى مترجمة. هو سألنى عن فحوى ما كتبته عن الحوار الوطنى فى الأيام الماضية، فكررت عليه مضمون ما كتبته أو ما قلته للعديد من الفضائيات التى سألتنى نفس الأسئلة تقريبا عن توقعاتى للحوار ونتائجه وفرص نجاحه.
الدبلوماسى سألنى: هل تعتقد أن النظام فى مصر دعا للحوار بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد الآن، أم بسبب ضغوط أمريكية وغربية مقابل تقديم مساعدات اقتصادية وسياسية للقاهرة؟
قلت له لا أظن أن هذا أو ذاك له دخل من قريب أو بعيد بالدعوة للحوار، والسبب أنه وبعد ثورة الشعب المصرى التى أيدها الجيش فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ ضغطت أمريكا فى ظل إدارة باراك أوباما ومعها غالبية أوروبا على النظام فى مصر من أجل عدم إخراج الإخوان من الحكم، ثم ضغطوا من أجل ضمان مشاركتهم فى الحكم، ثم ضغطوا من أجل عدم محاكمتهم أو تخفيف الأحكام عليهم، بل ووصلت الضغوط إلى فرض عقوبات مختلفة على مصر، منها وقف بعض المساعدات الأمريكية أو قطع غيار لأسلحة تستخدم فى محاربة الإرهاب إضافة إلى بيانات إدانة دائمة من البرلمان الأوروبى ومنظمات حقوق الإنسان.
حدث ذلك فى عز وجود تهديدات وجودية ضد مصر والمصريين. منها العمليات الإرهابية النوعية للتنظيمات والجماعات المتطرفة، ومنها تعليق عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى، ومنها الظروف الاقتصادية الصعبة حينما تلاشى معظم احتياطى مصر من النقد الأجنبى. ورغم ذلك لم تستجب القاهرة لكل هذه الضغوط وسارت فى طريقها الذى ارتضته.
ثم إن مصر مرت بظروف اقتصادية أصعب كثيرا عما تعانيه الآن، وأخص بالذكر الفترة التى تلت تعويم الجنيه المصرى فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، حينما قفز سعر الدولار لأعلى من ١٦ جنيها بعد أن كان سعره الرسمى نحو ثمانية جنيهات أى الضعف تقريبا، وهو ما صاحبه تخفيض الدعم عن معظم أنواع الطاقة خصوصا الوقود والكهرباء.
إذا هل يعقل أن النظام الذى رفض الضغوط الخارجية فى ٢٠١٣ وما بعدها، وفى عز الأزمات الاقتصادية، يقبل بهذه الضغوط فى الوقت الحالى. إضافة إلى أن الإرهاب تم دحره تقريبا، والإصلاح الاقتصادى قطع أشواطا كبيرة وصارت لمصر علاقات جيدة مع غالبية بلدان العالم خصوصا القوى الكبرى؟!
الدبلوماسى الأوروبى استمع إلى كلامى وقال لى إنه يتفق مع معظمه، وإن كان يرى أن الأزمة الاقتصادية التى تواجه القاهرة صعبة للغاية. كلام هذا الدبلوماسى صحيح فلا أحد ينكر حجم الأزمة، لكنها، ليست فى مصر فقط، بل فى دول كثيرة خصوصا التى تستورد معظم احتياجاتها من الخارج وبالأخص الحبوب والبترول.
عند هذه النقطة سألنى الدبوماسى: وما هى الطريقة المثلى التى يفترض أن تساعد بها أوروبا مصر وهى مقدمة على هذا الحوار الوطنى؟!
قلت له، أولا إن النظام دعا للحوار من دون ضغوط حقيقية محلية أو دولية، وبالتالى فهى دعوة جادة، حتى لو تقاطعت مع بعض الأحداث هنا أو هناك.
ثانيا: أتمنى أن تغير الدول الأوروبية والولايات المتحدة من طريقتها التقليدية فى مثل هذه المناسبات، وهى التعامل الفوقى بطريقة الشروط والإملاءات خصوصا أن الغرب جرب هذه الطريقة مرارا وتكرارا فى أحداث مماثلة ولم تسفر عن نتائج حقيقية تذكر. صحيح أن النظام فى مصر مثلا أيام مبارك أخرج بعض المحبوسين المشهورين «المحسوبين على الغرب»، لكنه لم يغير من جوهر سياسته وهى رفض الضغوط، وأتصور أن النظام الحالى سوف يكون أكثر رفضا لأى ضغوط خارجية فى مسألة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، إلا حينما يعتقد أن هذه المطالب تصب فى مصلحة البلاد عموما.
من أجل ذلك قلت للدبلوماسى الأوروبى إننى أتمنى أن تبادر أوروبا والولايات المتحدة إلى تغيير طريقتها التقليدية، وأن تدعم مصر بصورة جادة عن طريق إصلاح اقتصادها بفرص ومشروعات استثمارية حقيقية تساهم فى مزيد من التنمية والتقدم. بدلا من سياسة الإملاءات وتقديم قوائم للإفراج عنها أو سياسات معينة من أجل ترتيب عقد لقاء مع هذا الزعيم الأوروبى أو ذاك الأمريكى.
الدبلوماسى الأوروبى أومأ موافقا، ولم أكن أعرف بالضبط هل اقتنع بكلامى أم مجرد إيماءة للمجاملة؟!