بقلم: عماد الدين حسين
بيان وزارة الداخلية صباح أمس الأول الإثنين بشأن التسريب المفبرك لإحدى مؤسسات الدولة يكشف لنا العديد من الملاحظات المهمة.
قبل أن نتحدث عن هذه الملاحظات يجدر التنبيه أنه جرى تداول تسريب صوتي زعم مروجوه أنه يخص لواء يعمل فى رئاسة الجمهورية يتفاوض مع سيدة زعم أنها مستشارة فى نفس المؤسسة على عمولات بشأن تسهيل حصولها وآخرين على عقود تنفيذ بعض المشروعات الكبرى لتحقيق ربح مادى لهذه السيدة.
بعد أقل من ثلاثة أيام صدر بيان وزارة الداخلية الذى كشف حقيقة ما حدث، وأنه محض تزوير وتزييف لمسجل خطر.
جهاز الأمن الوطنى ــ طبقا للبيان ــ أكد أن الشخصين اللذين يتحدثان فى التسجيل المزور هما حنفى عبدالرازق السيد محمد، مسجل خطر جرائم نصب وقتل خطأ وتنقيب عن الآثار، والسيدة تدعى ميرفت محمد على أحمد تقيم فى الإسكندرية، وأن الاثنين لم يسبق أن عملا فى أى من مؤسسات الدولة، وأن المتهم الأول سجل المحادثة مع السيدة وقام بترويجها للإيحاء بوجود علاقات له مع مسئولين بالدولة تمكنه من إسناد عقود تنفيذ المشروعات لأى شخص، وأن هناك شخصا ثالثا هو وائل عبدالرحمن سليمان قام بالتواصل مع إحدى الفضائيات العادية، وباع لها هذا التسريب، بهدف الحصول على مقابل مادى.
السؤال ما الذى تكشفه لنا هذه الحكاية؟!
أولا: أن أى متابع جيد سوف يدرك على الفور أن التسريب مفبرك حتى قبل صدور النفى الرسمى، لأنه يتضمن العديد من الأخطاء الساذجة، التى تكشف عن ضحالة وجهل من نفذوه أو من خططوا له.
ثانيا: وجود تجارة رابحة للفيديوهات والتسجيلات ذات الصبغة التى تتضمن حبكة مثيرة من سياسة واقتصاد وإعلام، وأن المتهمين أدركا أن مثل هذا التسريب يمكن بيعه لبعض الفضائيات الخارجية خصوصا المعادية.
هذه التجارة كانت رائجة جدا فى السنوات الماضية، حينما كان النشاط الإعلامى المعادى لمصر من قبل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة فى قمته. هذا النشاط تراجع كثيرا فى الفترة الأخيرة بحكم نجاح مصر فى محاصرة هذه التنظيمات، وإجبار الرعاة الأساسيين لهم من أجهزة مخابرات ودول أجنبية على التخلى مؤقتا عنهم وتقليل الدعم المادى والمكانى، لكن المؤكد أن النشاط لم يتوقف بصورة كاملة، بل هو فى حالة كمون فى انتظار أى فرصة للعودة.
الملاحظة الثالثة والمهمة أنه قد يكون الهدف من وراء هذا التسريب المفبرك هو مجرد إيحاء المتهم الأول بأنه متنفذ، مما يعود عليه بالربح، أو سعى المتهم الثالث للحصول على مقابل مادى من بيع التسريب، لكن أظن أنه لا يمكن إغفال توقيت بث هذا التسريب على منصات معادية، قبل لحظات من بدء مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والذى انعقد قبل يومين فى شرم الشيخ بحضور ١٤٤ دولة وخمسة رؤساء وخمسين وزيرا و٢٤٠٠ مشارك من جميع أنحاء العالم.
ظنى أن الهدف الجوهرى من وراء هذا التسريب المفبرك هو الزعم بأن هناك فسادا فى أعلى المؤسسات المصرية، وبالتالى حرمان مصر من أحد أهدافها المشروعة من وراء عقد هذا المؤتمر، وهو أنها بلد آمن ومستقر ويساهم مع العالم والأمم المتحدة فى مكافحة الفساد، علما أن هذا المؤتمر هو الآلية الدولية الأساسية فى مكافحة الفساد، من خلال التعاون والتنسيق بين مختلف بلدان العالم بشأن هذه القضية الجوهرية التى تلتهم ثمار التنمية وتشكك فى أى مستقبل لبعض البلدان.
الجهات المعادية ومن يرعاها ويمولها لن تتوقف عن الاختلاق والفبركة والإشاعات، أو التضخيم من أخبار ووقائع صغيرة، ولذلك فإنه من المهم الكشف أولا بأول عن هذه الإشاعات ومواجهتها.
ويحسب لوزارة الداخلية سرعة التحرك وكشف حقيقة هذا التسريب وفضح أطرافه، وأن تصل الرسالة واضحة للجميع، علما أنه للأسف فإن بعضا ممن استمعوا لهذا التسريب المفبرك، قد لا تصل إليهم رسالة وزارة الداخلية التى كشفت زيفه وفبركته، وبالتالى من المهم أن يكون التحرك على مسارين متوازيين طوال الوقت، الأول محاربة الفساد بلا هوادة مهما كانت أطرافه، والثانى فضح الإشاعات والقصص المفبركة، لأن خطرها كبير، خصوصا لدى البسطاء.