بقلم - عماد الدين حسين
ونحن نحتفل بعيد الشرطة الذى يوافق ٢٥ يناير من كل عام، فإن الأجيال الجديدة لا تعرف أن نهر الشهداء لم يتوقف عن التدفق طوال العقود الماضية.. ومن المهم أن تتمعن وتتعرف هذه الأجيال الجديدة على أرقى أنواع العطاء الوطنى وهو الشهادة فى سبيل الوطن.
ويحتار المرء من أى تاريخ يبدأ فى حصر شهداء مصر الذين قدموا حياتهم من أجل استقلالها وحريتها وتقدمها على مدى التاريخ. لكن ونحن نتكلم عن التاريخ الحديث، هل نبدأ من التصدى للاحتلال البريطانى عام ١٨٨٢، أم الانتفاضات المستمرة ضد الاحتلال، أم شهداء ثورة ١٩١٩، أم الذين قاوموا الاحتلال وأعوانه عام ١٩٤٦، وبعضهم استشهد غرقا عند كوبرى عباس، أم بتصدى رجال الشرطة البواسل لعجرفة جنود الاحتلال الإنجليزى فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ بمقر محافظة الإسماعيلية؟
لكن لو افترضنا أننا سنبدأ بالحروب الرسمية التى خاضتها الدولة المصرية، فإن بداية سقوط العدد الأكبر من الشهداء كان فى الحرب الأولى التى خاضها الجيش المصرى لتحرير فلسطين من العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨، وهى الحرب التى شارك فيها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وتعرض للحصار فى منطقة الفالوجا. وعلى موقع وكالة أنباء «وفا» الفلسطينية وجدت كشفا يضم ٨٦٣ من الجنود والضباط المصريين الذين سقطوا شهداء فى أول مواجهة مع العصابات الصهيونية فى فلسطين بينهم البطل أحمد عبدالعزيز.
وفى معركة الشرطة ضد الاحتلال الانجليزى فى محافظة الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ سقط ٥٦ شهيدا و٧٣ جريحا.
وفى أكتوبر ١٩٥٦ تصدى المصريون للعدوان الثلاثى على بورسعيد ووصل عدد الشهداء إلى ٧٤٣ شهيدا طبقا لإحصاءات لجنة التاريخ والتراث المصرية.
ثم سقط شهداء كثر فى حرب اليمن حينما ساندت مصر الثورة اليمنية، وساهمت فى إخراج البلاد من ظلمات العصور الوسطى للعالم الحديث طوال حقبة الستينيات.
وطبقا لتقديرات مختلفة فإن ضحايا حرب اليمن بين ٥ ــ ١٥ ألف شهيد، رغم أن الكاتب الصحفى الراحل وجيه أبوذكرى يقدرهم بـ٢٠ ألف شهيد.
فى عام ١٩٦٧ سقط ما بين ١٠ و١٥ ألف شهيد فى الحرب ضد إسرائيل، وهى المعركة التى ظلم فيها المقاتل المصرى بفعل الإخفاق السياسى من قيادته السياسية والعسكرية.
وبعد هذه الهزيمة المروعة سقط شهداء كثر فى حرب الاستنزاف التى بدأت بعد أيام من هزيمة ١٩٦٧، واستمرت رسميا حتى إقامة حائط الصواريخ فى ١٩٧٠.
وفى حرب أكتوبر ١٩٧٣ سقط أكثر ٨ آلاف شهيد، و١٢ ألف جريح وثمانية آلاف مفقود وأسير. وهى آخر حرب نظامية عسكرية خارجية خاضتها مصر.
ونتذكر أنه فى نوفمبر من العام قبل الماضى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى «بإجراء حصر دقيق لكل شهداء مصر فى الحروب السابقة بداية من عام ١٩٤٨، لدراسة ضم أسرهم إلى قوائم المستفيدين من مزايا وخدمات صندوق الشهداء تقديرا من الوطن لأبنائه المخلصين وترسيخا لقيم الوفاء لأسرهم». وهذا الإجراء شديد الأهمية حتى تصبح بطولات هؤلاء الشهداء وتضحياتهم محفوظة فى ذاكرة الأمة. وبالتالى فمن المهم أن نؤكد دائما على ضرورة التقصى عن كل ما يتعلق بشهدائنا كما تفعل الدول الراقية والمتقدمة.
وفى هذا الصدد ينبغى أن نستمر فى الضغط على الإسرائيليين بكل الطرق المتاحة حتى نعرف ما الذى حدث بالضبط لبعض شهداء حرب ١٩٦٧، حيث كشفت الصحف الإسرائيلية عن أن الجيش الإسرائيلى دفن عشرات الجنود المصريين فى مقبرة جماعية من دون علامات قرب قرية اللطرون بين القدس وتل أبيب بعد أن تم حرقهم أحياء.
طبعا سوف يسأل سائل ويقول: وأين شهداء مصر فى معركتها المستمرة ضد الإرهاب والإرهابيين خصوصا بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى الآن؟!
سؤال مهم ومؤلم، لأنه إذا كان مفهوما سقوط شهداء لمصر دفاعا عن استقلالها وحريتها وتقدمها، فمن المحزن أن يسقط آلاف الشهداء والمصابين على يد من يقولون عن أنفسهم إنهم مصريون ومتدينون، وتلك قصة نتابعها لاحقا.