بقلم : عماد الدين حسين
سؤال: هل سيؤثر البيان الرئاسى لمجلس الأمن مساء الأربعاء الماضى على إثيوبيا، ويدفعها للتوقيع على اتفاق قانونى وملزم لكيفية إدارة وتشغيل سد النهضة، وما الذى ينبغى على مصر أن تفعله فى المرحلة المقبلة؟!
من خلال مراقبة التصرفات الإثيوبية خلال السنوات العشر الماضية، فأغلب الظن، وما لم يحدث تغير جوهرى، فسوف تواصل المراوغة والتهرب وشراء الوقت، حتى يكتمل بناء السد من دون توقيع أى اتفاق. إثيوبيا تريد الآن توفير التمويل اللازم لإكمال بناء السد بسرعة، وبعدها ستكتفى بإبلاغ الدولتين بمعلومات ناقصة، وفى اللحظات الأخيرة بشأن كل ما يتعلق بالسد كما فعلت قبل شهور، الأمر الذى عرّض السودان لأخطار كبيرة.
سيقول قائل، ولكن بيان مجلس الأمن دعا البلدان الثلاثة لسرعة استئناف المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق قانونى فى إطار زمنى معقول.
والإجابة إن إثيوبيا ستحضر أى مفاوضات يدعو إليها الاتحاد الإفريقى، كما فعلت طوال السنوات الماضية، لكن المهم هو نواياها الحقيقية، التى ترفض كل المطالب المصرية العادلة والتاريخية.
وما يؤيد ذلك هو التصريحات الإثيوبية بعد صدور البيان الرئاسى، حينما قال مندوبها فى مجلس الأمن إن البيان غير ملزم قانونا، وأن مجلس الأمن اتخذ القرار الصحيح، حينما أحال القضية مرة أخرى إلى الاتحاد الإفريقى، وأن بلاده لن تعترف بأى مطالبات تثار على أساس البيان الرئاسى.
المشكلة أن البيان الرئاسى كان غامضا إلى حد كبير، ولم يحسم أى نقطة رئيسية بصورة واضحة، وبالتالى فهو وفّر لإثيوبيا أرضية للزعم بأنها انتصرت سياسيا فى معركة مجلس الأمن، رغم الأهمية الفائقة لما ورد فى البيان الرئاسى، لكنه غير ملزم قانونا فى النهاية.
المؤكد أن الكونغو رئيس الاتحاد الإفريقى هذا العام ستبذل كل جهودها لاستئناف المفاوضات، وهى سلمت البلدان الثلاثة بالفعل مذكرة بنقاط الاتفاق والخلاف بشأن مفاوضات السنوات الماضية، لكن مرة أخرى فالمؤكد أن إثيوبيا ستواصل استنزاف مصر والسودان فى قضايا فرعية كثيرة.
وللتغلب على النوايا الإثيوبية الخبيثة، فعلى مصر والسودان أن يطلبا من الاتحاد الإفريقى، أن يحدد إطارا زمنيا محددا تنتهى عنده المفاوضات، ولتكن ستة شهور كما ورد فى صيغة مشروع البيان الذى قدمته تونس العضو العربى الإفريقى فى مجلس الأمن وللأسف تم حذفه فى المداولات، وتم استبداله بعبارة «إطار زمنى معقول» وهو الأمر الذى يجعلنا نتأكد من النوايا الإثيوبية المبيتة، لاستهلاك الوقت وعدم التوصل لأى اتفاق.
لدينا فسحة من الوقت من الآن وحتى بدء موسم الأمطار المقبل الذى يبدأ فى مايو أو يونيو كل عام ويستمر حتى أوائل سبتمبر. وإذا لم نتوصل لاتفاق قبل الملء المقبل، فسوف تتمكن إثيوبيا من إكمال التعلية الناقصة للسد، أو زيادة سعة خزان السد لفرض مزيد من الأمر الواقع.
المطلوب من مصر والسودان الآن هو:
أولا: أن تبذلا قصارى جهدهما لحشد ضغط دولى وإقليمى وقارى على إثيوبيا للوصول إلى اتفاق قانونى وملزم وعادل.
علينا أن نعوض ما لم نتمكن من إنجازه فى مجلس الأمن منذ الجلسة البائسة فى ٨ يوليو الماضى، والتى تحسنت نسبيا فى مفردات البيان الرئاسى، لكنها لم ترق إطلاقا إلى الحد الأدنى من مطالبنا الرئيسية.
ثانيا: علينا أن نلجأ لكل الطرق المتاحة فى جميع الاتجاهات لنرسل رسالة إلى إثيوبيا مفادها أننا لن نتركهم يحققون غرضهم الرامى إلى «تحويل النيل الأزرق إلى بحيرة داخلية» كما قال ذات يوم وزير ريهم عقب الملء الأول للسد فى ٢٢ يوليو ٢٠٢٠.
ثالثا: عدم التفاوض على الحصص المائية، وكذلك الاتفاق على المتوقع من التفاوض مثل قواعد الملء والتشغيل، والمرجعية القانونية وفض المنازعات.
إثيوبيا تمر بمرحلة خطيرة تتمثل فى أزمة اقتصادية طاحنة جعلتهم يغلقون العديد من سفاراتهم فى عواصم مهمة إقليميا ودوليا، ولديهم صراع عرقى خطير فى العديد من الأقاليم خصوصا التيجراى، ولديهم مشكلة حدودية صعبة مع السودان، وصراعات أخرى مع بعض الجيران، والأهم لديهم سمعة دولية سيئة جدا تتعلق بارتكاب جرائم حرب وإبادة بحق مواطنى التيجراى، مما قد يعرضهم لعقوبات دولية، لكن من سوء حظنا أنهم يستخدمون السد لتوحيد صفوفهم الهشة.
نحن قدمنا كل علامات حسن النية طوال السنوات الماضية، وبالتالى علينا ألا نستبعد أى خيار من على الطاولة، وأن يكون واضحا للطرف الإثيوبى دائما، أنهم من دون التوصل لاتفاق قانونى ملزم وعادل، فسوف يدفعون ثمنا لم يتوقعوه أبدا.