بقلم - عماد الدين حسين
مساء الأحد الماضى حضرت الاحتفالية التى نظمها المجلس الأعلى للثقافة لتكريم الدكتور مصطفى الفقى.
التكريم عنوانه «٦٠ عاما من الإسهام الوطنى والفكرى».
يصعب أن تحصر الفقى فى خانة واحدة. هل هو دبلوماسى مرموق، أم مفكر سياسى، أم كاتب صحفى، أم معلق تليفزيونى، أم مثقف كبير أم عالم اجتماع؟. ظنى وظن كثيرين يعرفونه أنه خليط من كل ذلك، بل هو مطَّلع أيضا على العلوم والأديان.
لكن ربما الصفة التى تميزه أنه «مثقف دولة يعمل من أجل مصلحة الوطن»، كما وصفه صديقه المفكر السياسى المرموق الدكتور على الدين هلال.
من حسن حظى أننى عرفت الدكتور الفقى منذ سنوات طويلة، حينما بدأت عملى الصحفى فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى. كان أحد «مصادرى» التى أحرص على الاتصال بها للتعليق على الموضوعات والقضايا التى كنت أعدها لصحف مثل «صوت العرب» أو «العربى» الناصرى أو صحف ومجلات عربية متعددة معظمها كان ذا توجه قومى ناصرى.
الفقى يمكنه أن يتحدث فى كل الموضوعات تقريبًا، فهو موسوعة متحركة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هو ليس مجرد دبلوماسى خدم فى العديد من السفارات المصرية خصوصًا لندن، وليس مجرد مؤلف كتاب مهم جدًا عن «الأقباط فى السياسة المصرية»، وليس كاتب مقال متميز أو حكَّاء عظيم، لكن الأهم أيضا أن تعليقاته وكتاباته مستمدة دائما من معرفة بالمصادر الأصلية، وبحكم عمله سفيرًا وبحكم عمله سكرتيرًا للرئيس حسنى مبارك للمعلومات فهو يتحدث عن معرفة بالوقائع والأشخاص والأنساب وأصول العائلات. ويدهشك دائمًا حينما تذكر اسمًا معينًا فيسارع بالقول إن أباه كذا وابن عمه كذا وعائلته كذا.
هو القارئ النهم والمثقف الموسوعى الذى ترك بصمة لا يمكن نسيانها بقيادته لمكتبة الإسكندرية.
هو محلل ومؤرخ وهو الحكَّاء العظيم والذى سخر جزءًا كبيرًا من حياته لخدمة الآخرين.
خلال الاحتفالية، مساء الأحد الماضى، لم أندهش من العدد الكبير وقيمة الحاضرين الذين امتلأت بهم القاعة بالدور الثالث فى المجلس الأعلى للثقافة، فإحدى صفات الفقى أنه ربما صاحب أكبر قدر من العلاقات الإنسانية والشخصية والسياسية والفكرية مع كل فئات المجتمع. مع الحكومات ومع المعارضة.
هو ليس متعصبًا لرأى، لكن انحيازه الأساسى للدولة المصرية. هو مع الدولة وليس مع أى نظام إلا بقدر عمل هذا النظام أو ذاك لمصالح الدولة العليا، هو مقبل على الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فى الاحتفالية وجدت حشدًا كبيرًا من الدبلوماسيين والسفراء والوزراء السابقين، ولا يمكن الحديث عن مصطفى الفقى إلا بالحديث عن زميله وصديقه السفير الأكثر تميزًا ونجم الدبلوماسية المصرية الأشهر عمرو موسى.
وقد أسعدنى الحظ مرارًا وحضرت جلسات متعددة كان الاثنان يتبادلان فيها الذكريات والمواقف والقفشات وأحيانا المناكفات.
فى جلسة احتفالية الأحد الماضى كانت الحكومة الرسمية ممثلة بوزير الثقافة أحمد فؤاد هنو ورئيس المجلس الأعلى للثقافة الدكتور أسامة طلعت. كان هناك المفكرون أمثال عبدالمنعم سعيد وعلى الدين هلال وأحمد يوسف أحمد، والفنانون أمثال حسين فهمى وليلى علوى وإيناس الدغيدى، وأساتذة العلوم السياسية أمثال نيفين مسعد ورئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، والوزراء والشخصيات العامة أمثال منير فخرى عبدالنور وأبوبكر الجندى ومحمد العرابى وزاهى حواس وحسام بدراوى وأحمد زايد، والشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، والكتَّاب أمثال سناء البيسى وعبداللطيف المناوى ويوسف القعيد ومحمد سلماوى وطارق الشناوى وأشرف العشرى وعلاء الغطريفى وهدى رءوف.
بالطبع الفقى ليس ملاكًا ولكنه بشر وبالتالى يحق لمن يشاء أن يختلف معه فى ملفات وقضايا كثيرة.
ويوم تكريمه قال بشجاعة: «أقف أمامكم معترفا بأخطائى.. ألوم نفسى أننى سعيت إلى المناصب أحيانا واخترقت المحاذير أحيانا أخرى».
ورغم محبتى له فقد اختلفت معه فى بعض أحاديثه لمواقع خليجية قبل شهور، ويحسب له مسارعته بالاعتذار والاعتراف بالخطأ، أكتب اليوم عن الفقى تكريما لمسيرته وتكريما للعلم والخبرة والفكر والاجتهاد. وهى قيم نتمنى أن تعود للازدهار فى المجتمع؛ لأنها تمثل أهم قوة تتمتع بها مصر على مر العصور، وهى الأفكار والقوة الناعمة. مصر لم تكن غنية بالأموال أو الموارد الكثيرة، لكنها كانت دائما غنية بالعقول والأفكار التى يمكنها أن تجعلنا من أغنى دول المنطقة.