بقلم - عماد الدين حسين
أخيرا تم التوصل إلى هدنة إنسانية لمدة ٤ أيام من جيش الاحتلال الإسرائيلى وحركة المقاومة حماس بوساطة مصرية قطرية وتدخل أمريكى.
الهدنة ــ إذا تم تنفيذها ولم تتعرض لعراقيل إسرائيلية ــ مدتها ٤ أيام تبدأ صباح اليوم الخميس،وخطوطها العريضة هى الإفراج عن 150 أسيرا فلسطينيا من النساء وكبار السن مقابل الإفراج عن 50 من النساء وصغار السن الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية فى عملية «طوفان الأقصى» صبيحة ٧ أكتوبر الماضى كما تتضمن ادخال مزيد من المساعدات خصوصا الوقود للقطاع.
إسرائيل وحركة حماس أعلنتا فجر الأربعاء عن التوصل للهدنة. وبطبيعة الحال فإن كل طرف يعتقد أنه الرابح الأكبر منها، وأنها تمت بشروطه هو، وليس بشروط الطرف الآخر. فى السطور التالية سنحاول معرفة من الرابح ومن الخاسر فى هذه الهدنة التى تأتى بعد عدوان إسرائيلى همجى وغير مسبوق على قطاع غزة مستمر منذ ٧ أكتوبر الماضى، تمثل فى 1354 مجزرة حتى صباح أمس الأربعاء أدت إلى سقوط 14128 شهيدا، و205 من الشهداء من الأطباء والممرضين و62 صحفيا، و33 ألف مصاب و6800 مفقود، وثلثا كل هؤلاء من الأطفال والنساء والأسوأ أيضا أن أكثر من نصف مساكن غزة قد تضررت كليا أو جزئيا منها 100 مقر حكومى.
ظنى أن أحد أهم معايير الحكم هى السؤال عن الأهداف التى أعلنها كل طرف عند بدء الحرب، وإذا احتكمنا إلى هذا المعيار فإن إسرائيل تكون خسرت بصورة واضحة.
إسرائيل أعلنت مع بدء عدوانها أنها ستدمر حماس وحركات المقاومة، وهى تعلم أن المقاومة ظلت تطلق الصواريخ من قطاع غزة المدمر حتى أمس الأربعاء، ليس فقط على المستوطنات القريبة ولكن على مدن إسرائيل مختلفة.
إسرائيل أعلنت أيضا أنها ستقتل كل قادة المقاومة خصوصا يحيى السنوار ومحمد الضيف، لكنها لم تنجح فى ذلك حتى الآن، هى قتلت الأطفال الرضع والنساء وهاجمت المستشفيات والمساجد والكنائس والبشر والحجر.
إسرائيل أعلنت أنها سوف تحرر الأسرى الذين أسرتهم حماس وعددهم يصل حوالى ٢٤٠ شخصا، لكنها لم تستطع تحرير ولو أسير واحد، بل إن حماس والمقاومة نجحت فى التعامل مع الأسرى بصورة أزعجت إسرائيل، لدرجة أن الأخيرة فرضت حصارا على سيدتين إسرائيليتين أطلقت حماس سراحهما بسبب مرضهما، وقالتا إن الحركة تعاملت معهما بإنسانية شديدة مما أفسد كل الدعاية الإسرائيلية.
فى الجانب الثانى فإن المقاومة حققت نصرا باهرا صبيحة يوم ٧ أكتوبر، وأسقطت نظرين الأمن الإسرائيلى، وكشفت حقيقة خرافة قوة أجهزة المخابرات الإسرائيلية. لكن فى المقابل وحتى نكون موضوعيين فإن إسرائيل ألحقت دمارا هائلا بالبنية التحتية لقطاع غزة، وهو أمر قد يجعل القطاع خصوصا شماله غير صالح للحياة البشرية لفترة طويلة وبالتالى تصبح فرص التهجير القسرى لخارج القطاع واردة.
إسرائيل كانت واضحة فى أنها تشن حرب إبادة وتجويع ضد الفلسطينيين حينما أعلنت بوضوح أنه لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا وقود للقطاع. صحيح أن كل هذه اللاءات سقطت بفضل صمود الفلسطينيين والموقف المصرى القوى والدعم الشعبى العربى ثم الدولى لاحقا، لكن حصيلة الدمار الذى ألحقته إسرائيل بالقطاع يحتاج لسنوات حتى يمكن ترميمه.
وبالتالى فإن كل طرف يعتقد أنه خرج منتصرا. ومن المهم الإشارة إلى أن موقف الصهيونى المتطرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى الإسرائيلى، الرافض للهدنة، قد يقودنا إلى معرفة الإجابة عن السؤال الذى بدأنا به. بن غفير زعيم حزب «القوة اليهودية» الداعى لتهجير العرب وقتلهم، قال صباح الأربعاء، إنه يعارض اتفاق الهدنة لأن حماس كانت تريد هذا التوقف، وأنه ليس من الصواب أن نسترد بعض الرهائن ونترك آخرين، وأنه لا يقبل إطلاق سراح أسرى حماس «الإرهابيين»، فهو يتعارض مع مبادئهم! وأن استمرار الضغط العسكرى كان من شأنه تحقيق مزيد من النتائج، مختتما كلامه بأن توقف الحرب الآن خطأ تاريخى لإسرائيل.
مرة أخرى أظن أن الرابح الأكبر من الهدنة هى المقاومة الفلسطينية فهى فرصة مهمة لالتقاط الأنفاس بعد عدوان بربرى غير مسبوق، لكن الحكم على نتيجة المعركة النهائية يتوقف على الطريقة التى سوف تتوقف بها الحرب أو العدوان، خصوصا أن بنيامين نتنياهو أعلن استكمال العدوان بعد انتهاء الهدنة.
علينا الانتظار حتى نهاية العدوان لنعرف النتيجة النهائية.