بقلم - عماد الدين حسين
من أكثر الأخبار المثيرة للسخرية والكوميديا السوداء هو أن الولايات المتحدة تعتزم منع دخول المستوطنين الإسرائيليين الضالعين فى العنف ضد الفلسطينيين إلى أراضيها.
وقد يسأل البعض مستنكرا ويقول، ولماذا تغضب من هذا الخبر فى حين أنه يشى إلى أن واشنطن لا يعجبها ما يفعله المستوطنون.
والإجابة ببساطة أنه من قبيل الخداع والغش و«الضحك على الذقون» أن تقوم أمريكا بتقديم كل أنواع الدعم المادى والعسكرى لإسرائيل منذ نشأتها وحتى هذه اللحظة وتدافع عن احتلالها لفلسطين ثم تأتى لتخدعنا بالقول أنها «تعتزم» منع دخول بعض المستوطنين إلى أراضيها. نعرف أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل منذ زرعها فى المنطقة بعد النكبة عام ١٩٤٨ وهى أول دولة تعترف بها فى عهد الرئيس هارى ترومان وكان ذلك فى ١٤ مايو ١٩٤٨، وكان أول سفير لها هناك هو جيمس غروفر وقدم أوراق اعتماده فى ٤٨ مارس ١٩٤٨.
ونعرف أنه باستثناء الموقف الأمريكى العادل نسبيا أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦، فإن الولايات المتحدة هى التى دعمت إسرائيل على طول الخط، فى عدوان ٥ يونية ١٩٦٧وهى التى منعت انهيارها فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، حينما أقامت جسرا جويا عسكريا لصد الهجوم المصرى السورى، وأتاحت أقمارها الصناعية لإسرائيل أحداث الثغرة، وهى التى ضغطت على بعض العرب لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من دون حل القضية الفلسطينية، وهى التى تعهدت بأن تكون إسرائيل أقوى عسكريا من كل جيرانها العرب مجتمعين، بما فيهم الدول المصنفة حليفة لواشنطن فى المنطقة.
لكن كل الانحيازات الأمريكية بجانب إسرائيل لا يمكن مقارنتها بالانحياز الأخير منذ عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى، وما أعقبها من عدوان إسرائيلى غير مسبوق.
منذ اللحظات الأولى للعدوان أعلنت واشنطن الاصطاف الكامل مع تل أبيب وأرسلت إليها حاملتى طائرات، ثم سفن نووية، ثم جنود، ثم مساعدات ومعلومات استخبارية، وأنظمة دفاع جوى لصد أية هجمات خارجية والأهم أن هذا الانتشار الأمنى الأمريكى غير المسبوق جاء لمنع تدخل أى قوة أخرى بجانب المقاومة الفلسطينية وبالأخص إيران وحزب الله والمعنى أن تضمن واشنطن أن تنفرد تل أبيب بقطاع غزة.
ورأينا الرئيس الأمريكى يزور إسرائيل فى الأسبوع الأول من العدوان، وهو أول رئيس أمريكى يزور إسرائيل، وهى فى حالة حرب، وجاء بعده وزير الدفاع لويد أوستن ليعلن أن المخازن الأمريكية مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلى ليأخذ منها ما يريد. وقبله جاء وزير الخارجية أنتونى بلينكن ليعلن أنه جاء إسرائيل بصفته يهوديا وليس كوزير لخارجية الولايات المتحدة.
ثم رأينا الكونجرس الأمريكى يوافق على تقديم ١٤ مليار دولار دعما لإسرائيل لتمويل العدوان.
الولايات المتحدة شريك أساسى فى عدوان إسرائيل واستخدمت الفيتو مرتين لإجهاض أى محاولة لوقف إطلاق النار ضد مشروعى قرار روسى وبرازيلى.
وهى تعلن كل يوم أن أى وقف لإطلاق النار يعنى تقديم هدية للمقاومة الفلسطينية. وكل ما فعلته واشنطن بعد الضغوط الدولية المتواصلة أنها تطالب إسرائيل بالتأنى قدر الإمكان فى عمليات القتل بحيث يتم تقليل عدد الضحايا المدنيين. والأخطر أنها تكرر كل الأكاذيب الإسرائيلية منذ إعلان بايدن أن المقاومة قطعت رءوس الأطفال الإسرائيليين الرضع يوم ٧ أكتوبر ونهاية بأكذوبة أن المقاومة هى من خرقت الهدنة صباح يوم الجمعة الماضى.
بعد كل ذلك، حينما تأتى الولايات وتقول إنها تعتزم منع دخول المستوطنين الضالعين فى العنف فى الضفة إلى أراضيها، وأنها قد تنفذ ذلك بعد أسابيع، فهو أمر مثير للدهشة والاستغراب والاشمئزاز.
يعلم القاصى والدانى أنه بينما ينشغل كل العالم بالعدوان الإسرائيلى على غزة فإن بعض وزراء حكومة إسرائيل خصوصا إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش قاما بتسليح قطعان المستوطنين الذين يعتدون على فلسطينيى الضفة ويطردونهم من بيوتهم ويدمرون مزارعهم لتهجيرهم قسريا من بلدهم، وسلطات لاحتلال هناك قتلت المئات واعتقلت آلاف الفلسطينيين، وتدمر بصورة منهجية كل المؤسسات الفلسطينية خصوصا فى جنين.
كل ذلك يحدث والولايات المتحدة ــ حامية حقوق الإنسان ــ وأوروبا رافعة لواء المساواة والديمقراطية والحريات، يعربون عن قلقهم مما يحدث فى الضفة وغزة، وواشنطن تقول إنها تعتزم منع دخول المستوطنين القتلة إلى أراضيها!
هذا الخداع يذكرنا بختام أحد أشهر قصائد الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش: وهى «أمريكا هى الطاعون ـ والطاعون أمريكا» وما أقصده هو السياسات الأمريكية المنحازة لإسرائيل، وليس الشعب الأمريكى الذى يتظاهر كثير منه ضد العدوان الأمريكى ولعديد من مؤسساته مواقف محترمة كثيرة.