توقيت القاهرة المحلي 11:13:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العرب من حال إلى حال

  مصر اليوم -

العرب من حال إلى حال

بقلم - الكاتب جميل مطر

العالم يعيش حالة فوضى أو حالة «اللانظام»، وهى الصفة التى اختار السفير ووزير الخارجية السابق نبيل فهمى أن يستخدمها من بين صفات عديدة ليقرب إلى الأذهان الحالة الراهنة للعالم. تحمل هذه الصفة معانٍ محددة، فهى تعنى أن العالم، وأقصد هنا النظام الدولى كما عرفناه وعشنا فى ظله مدة ثلاثة أرباع القرن، يتحول تدريجيا ومفهوميا نحو نظام آخر، وأننا رأيناه خلال رحلة تحوله أو انتقاله - إن صح التعبير - يفقد ثلاث سمات تميز بها وكان قد اكتسبها عند التأسيس فى نهاية الحرب العالمية الثانية.
أما هذه السمات فأولها توفر قواعد عمل معلنة تلتزم بها الدول وغيرها من العناصر الفاعلة من أعضاء النظام، وثانيها وجود أنماط تفاعل متفق عليها بين أطراف النظام، وثالثها القبول بأطر واضحة تميز هذا النظام عن غيره من التجمعات أو التشكيلات، كالاتفاق مثلا على حدود تفصل بين النظام الدولى ونظام فضائى أو نظام تكنولوجى أو نظام عرقى. نعرف الآن أن النظام الدولى تعرض خلال الشهور الأخيرة، كما ذكرت، إلى جملة من التطورات المعقدة والهزات العنيفة تسببت فى انهيار هذه السمات الثلاثة بتدرج ملحوظ، بما يعنى فى النهاية انفراط النظام من أساسه. نحن الآن نعيش المرحلة الانتقالية على طريق هذه النهاية.
●●●
المثير فى هذا التطور أنه ترافق مع تطور مماثل فى النظام الإقليمى العربى، والغريب أن النظام العربى كان الوحيد بين نظم إقليمية أخرى ترافق انحداره مع انحدار النظام الدولى. نلاحظ انتكاسات أو تكاسل فى أداء النظام الأفريقى وفى نظام جنوب شرقى آسيا وفى نظام الأمريكتين، كما نقف شهودا هذه الأيام على تغيرات عميقة فى السمات الثلاثة التى أسست للنظام العربى. نشهد وبوضوح انهيار التزام الدول الأعضاء بقواعد عمل النظام قاعدة بعد قاعدة. نفقد الالتزام المشدد بدعم قضية فلسطين، نفقد أيضا الالتزام بقيمة هوية النظام، وأقصد عروبته. بمعنى آخر نشهد تراجعا فى الالتزام بصدارة العروبة فى قائمة هويات الإقليم. نفقد أيضا الإصرار على الحفاظ على سلامة الحدود الخارجية للنظام ومتانتها. ففى كل مكان تقريبا من العالم العربى نشهد تجاوزات فى التزام الآخرين احترام هذه الحدود. نرى اختراقات باستخدام الدين والطائفة والقوة العسكرية والهجرة البشرية، نراها بوضوح صارخ فى حدود النظام الجنوبية وبخاصة على حدود السودان وبوضوح أيضا على حدود النظام الشرقية مع إيران ومواقعه الغربية مع إسرائيل ومناطقه الشمالية مع تركيا. هذه الاختراقات وغيرها من أنواع التدخلات تهدد هويات أقاليم عربية شاسعة وفى الوقت نفسه تهدد أمن النظام على كافة حدوده، فضلا عن أنها صارت تؤثر وبعنف شديد فى أنماط العلاقات العربية الداخلية أى بين الدول العربية وبعضها البعض وتؤثر كذلك فى أنماط التفاعلات العربية مع القوى الخارجية.
نلاحظ أيضا التدهور الشديد فى أوضاع الأمن وعدم الاستقرار وتداخل الهويات والولاءات فى كافة مناطق حدود النظام، نلاحظه فى المغرب العربى على الحدود وفى العلاقات بين الجزائر والمغرب، وبين المغرب وإسبانيا، وبين الجزائر ومالى، وبين ليبيا وتشاد. نلاحظه بين سوريا وتركيا، وبين العراق وتركيا، وإن مكتوما بين العراق وإيران، ونلاحظه بين السودان وكل جيرانه الأعضاء فى النظام الأفريقى، وبين الصومال وكينيا، وبين المملكة السعودية واليمن من ناحية وإيران من ناحية أخرى. عشناه لسنوات ونعيشه فى سيناء على حدود مصر الآسيوية كجزء من تغيرات واسعة ترتبط بخريطة سياسية لإسرائيل، خريطة لم تكتمل بعد ولن تكتمل فى الأجل المنظور مما يعنى فى الحقيقة أن النظام العربى سوف يبقى ناقص الاكتمال حتى ذلك الحين.
●●●
لا تخفى حقيقة أن الدعوة لإقامة نظام إقليمى شرق أوسطى سوف تبقى معنا، تتوارى حينا وتكشف عن نفسها فى حين آخر متأثرة بحدة التطورات فى كل المناطق الحدودية للنظام الإقليمى العربى. المدهش فى هذا الموضوع هو أن العرب ليست لهم مطالب مشروعة أو غير مشروعة فى أراضٍ أو مواقع تخضع لنظام إقليمى مجاور إلا فيما ندر، بينما لجميع حكومات دول الجوار بدون استثناء مطالب فى أراضينا وثرواتنا.
التغيرات كثيرة فى مناطق حدود النظام العربى وبعضها عويص ومعقد. التغيرات أيضا كثيرة داخل الدول أطراف النظام العربى وبعضها صعب ولكن قابل للتعامل معه. مثلا فى كل من تونس وليبيا والسودان ولبنان والعراق وسوريا تغيرات أو استعداد للتغيير تستحق التركيز عليها إن شئنا وحدنا أو مع غيرنا استعادة النبض إلى قلب النظام العربى. هنا فى مصر أزمة اقتصادية خانقة وقد تصبح ممتدة ولكنها مع كل تعقيداتها وصعوباتها لن تكون قيدا على حركة وإبداع أجيال عريضة تمثل مخزون الخبرة السياسية والعريقة فى شئون النظام الإقليمى. هناك أيضا فى المملكة السعودية تغيرات من نوع مختلف حدثت وأخرى على الطريق لتحدث وكلها بدون استثناء عادت تفرض على الخارج الاهتمام بالمملكة كلاعب هام ومؤثر فى الإقليم وخارجه. أظن وبثقة متجددة أن فى تلاقى مصر والمملكة على طريق التوسط لتسوية النزاعات العربية العربية والنزاعات داخل الدول العربية وتجديد كفاءة النظام الإقليمى العربى ومؤسساته وأهمها جامعة الدول العربية وعن طريق حقن دماء نقية فى شرايين أسسه الثلاثة فرصة لعودة الروح.
أعلم أن هناك فى الخارج من يؤكد وهناك من يحلم بأن الشهور القليلة القادمة سوف تشهد عودة الاهتمام العالمى بالشرق الأوسط، وبالتحديد بالإقليم العربى. وراء هذه العودة، إن حدثت، أسباب كثيرة. أهمها، أن الشرق الأوسط بتاريخه ومكانة أديانه وتعددية أعراقه وطوائفه وشبابية ديموغرافيته وغنى ثرواته الطبيعية وندرة مياهه يبقى لغزا لا يحل نفسه بنفسه أو يحله آخرون ببساطة. من هذه الأسباب أيضا أن الدول الخليجية، أو أغلبها على وجه الدقة، أثبتت فى الآونة الأخيرة نيتها فى أن تحظى بدور هام فى مجال السياسة الدولية.
أسمع أن عرض المملكة السعودية التوسط بين روسيا وأوكرانيا ما يزال مقدرا لدى الأطراف الكبرى فى الصراع باعتبار أنه يستند إلى مصادر قوة ملموسة ومؤثرة ويعبر عن اعتراف ذاتى من المملكة بأهمية وجدوى قفزاتها نحو مستقبل مخطط له. أعلم أيضا أن بعض الغرب يستشف فى الأزمة المصرية الراهنة كما فى روسيا فرصا لا يجوز التفريط فيها. هى أيضا تجدد فى الموروث السياسى الاقتناع بأن مصر تظل فى أزماتها قوة معنوية لا يستهان بمفعول ضعفها وبخاصة فى عالم يئن نظامه الدولى تحت وقع الفوضى الضاربة أطنابها فى كافة جنباته، وفى نظام إقليمى يتلوى بأوجاع الفقر وفجوات الثروة والدخول والغذاء والمياه.
●●●
اللحظة حرجة وفى اللحظات الحرجة تتكثف آمال الأمة فى صحوة ثانية طال انتظارها، وفى اعتقادى أن عناصر الصحوة صارت جاهزة بفضل ما حققنا من نجاح وكرد فعل لنواحى فشل لم تعد خافية أبعادها الراهنة ولا خافية عواقبها لو استمرت.

المدهش فى هذا الموضوع هو أن العرب لا مطالب لهم مشروعة أو غير مشروعة فى أراضٍ أو مواقع تخضع لنظام إقليمى مجاور إلا فيما ندر، بينما لجميع حكومات دول الجوار بدون استثناء مطالب فى أراضينا وثرواتنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب من حال إلى حال العرب من حال إلى حال



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon