بقلم: حسن المستكاوي
عرف العالم روسيا الحقيقية في مونديال 2018، فهي ليست تلك الصورة الذهنية التي رسمها الغرب لمجلس السوفيات الأعلى بزعمائه كبار السن، بريجينيف، وخروتشوف، ويوري أندروبوف وغيرهم الذين أحاطت بهم أسوار وقصص غربية غامضة، ولكنها دولة كبيرة لها تاريخ وثقافة وحضارة، ويملك شعبها روحاً ودودة. وسيكون مونديال قطر بمثابة رسالة حضارية في مظروف كرة القدم. فسوف يرى العالم سنغافورة العرب بمبانيها الشاهقة الباسقة التي تحمل روح العصر، سيرى الملايين من عشاق كرة القدم المنطقة العربية كما لم يعرفوها من قبل. سيتعرفون على ثقافاتها، وتقاليدها وكرمها، وقدر السماحة الذي تحمله القلوب العربية لشعوب العالم. نعم، هيا بنا نحن على مسافة 24 ساعة من انطلاق كأس العرب، أو كأس الخليج العربي، الممثلة في كأس العالم لكرة القدم، أكبر حفل عرفته البشرية في تاريخها.
في مونديال الشرق الأقصى كوريا واليابان عام 2002، كان المشهد غريباً لرجل يقف بجلبابه السنغالي الشهير أمام عدسات المصورين وهو يمسك بديك يرمز للمنتخب الفرنسي من عنقه، مداعباً أو موحياً بأنه «يخنقه» بعد فوز منتخب بلاده على فرنسا حاملة اللقب في مباراة الافتتاح. وبهذه الابتسامة التي غلف بها السنغالي وجهه في اللحظة التي يتوقف فيها الزمن لجزء من الثانية لتسجله الكاميرا، لم يخف بها ما فعلته وصنعته كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في الشعوب، فانتصاراتها تمس كبرياء الأمم.
المشجعون تراهم يتدفقون على الملاعب في جماعات، وفي مواكب صاخبة، ويتزاحمون ويتضاحكون ويتظاهرون، ويتندرون ويتوعدون بعضهم بعضاً... وتراهم يتدفقون بسيارات مشحونة، وأتوبيسات ضخمة، وقطارات مكدسة، وطائرات خاصة. وكل شيء قبل المباراة يصاب بالشلل إلا الملعب فهو وحده يصبح فيلماً من أفلام فيليني مليئاً بالحياة والحركة والانفعال والضوضاء، مليئاً بالغضب والحب والعرق والخوف. لقد أتاحت ساحة مغطاة بعشب أخضر جميل تحيط بها مدرجات مزدحمة الفرصة لكى يهتف فيها الآلاف من الناس لفريق أو ضد فريق، ويصرخوا، ويفرحوا، ويتألموا. وهذا الصراخ والهتاف والانفعال والصراع هو جوهر كرة القدم، وسر جمالها وشعبيتها...
إن قيمة كرة القدم وكأس العالم أنها لعبة توحّد الشعوب، فلا يوجد أثناء البطولة فريق نحن وفريق هم. إنها «دورة ألعاب» رياضية وحضارية واقتصادية وثقافية وسياسية. فكرة القدم هي الظاهرة العالمية الأوسع والأعرض... والمونديال احتفال كبير حاشد وهائل، ويشهد لقاءً بين الحضارات والثقافات، وتسقط فيه حواجز اللغات والجنسيات والألوان والآيديولوجيات والأديان.
ويمكن أن نقسم تاريخ كرة القدم إلى مرحلتين، الأولى ما قبل كأس العالم، والأخرى ما بعد انطلاق كأس العالم. فقد طورت تلك البطولة اللعبة في كل أقطار الكوكب. وكانت سبباً مباشراً في ظهور تكنولوجيا رياضية جديدة، تساوي أثر تكنولوجيا برنامج الفضاء الأميركي على اختراع التليفون المحمول والكاميرات الديجيتال، والسبائك المعدنية القوية والخفيفة...
قطر والسعودية وتونس والمغرب، أربعة منتخبات عربية تخوض أجواء هذا الصراع العالمي، وتتطلع إلى إنجازات نسبية سبق وحققتها، مثل التأهل إلى دور الستة عشر. فهل تستطيع؟ وهل تصدق ترشيحات الخبراء بشأن تفوق أميركا الجنوبية هذه المرة بعد غياب دام أربع بطولات عن منصات التتويج، وذهب خلالها اللقب للمنتخبات الأوروبية؟
* التوقعات سوف تظل مجرد قراءة في فنجان مقلوب...