توقيت القاهرة المحلي 06:23:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

درنة والصحافة وما وراء الكادر؟!

  مصر اليوم -

درنة والصحافة وما وراء الكادر

بقلم - حسن المستكاوي

** فى الاحتفال بمئوية الأستاذ محمد حسنين هيكل أخذت أتابع الفيلم التسجيلى الذى يروى جزءا من رحلته مع مهنة الصحافة. وقد قرأت كل كتبه، ومقالاته وبدأت القراءة وعمرى لا يتعدى العشر سنوات. وكم أخذتنى دائما التفاصيل التى يرويها. وقد أدركت مبكرا أن الصحافة تعيش بالتفاصيل، وأن موهبة الصحفى بالثقافة، والأسلوب، والإيقاع، تظل ناقصة إن غابت عنها التفاصيل. وللأستاذ جملة عبقرية حين سئل عن تأثير التليفزيون، وبالتالى مواقع التواصل الاجتماعى على الصحافة، حيث قال: «الكاميرا ترى الكادر (كاميرا التليفزيون أو الموبايل ) بينما عين الصحفى ترى ما وراء الكادر»..
** تلك الجملة العبقرية تختصر أزمة الصحافة العربية فى المطلق، فهناك مواهب ونجوم حصلوا على جوائز واستحقوها. لكن ماذا عن العام؟ ** ما سبق أعتبره مقدمة لما يلى: أين الصحافة العربية من كوارثنا، ومن أزماتنا، ولا أسأل عن صحافة الخبر، فلم يعد الخبر خبرا وسبقا، وإنما أين التفاصيل التى تشرح لنا الحقائق، وتصف لنا ما جرى، فلا يكفى أبدا أن يقف مراسل تليفزيون على أنقاض درنة، ويصف لنا الموصوف، ويحكى لنا أن المدينة ضاع 25 فى المائة منها بسبب الإعصار. (مازلنا لا نعرف هل هو إعصار أم عاصفة على وجه الدقة). لا يكفى هذا الدور التقليدى للمراسل أو للكاميرا. وإنما نريد أن نفهم ماذا جرى؟ هل ضاعت درنة بسبب دانيال أم بسبب انهيار السدين؟ وما هى تفاصيل الكارثة؟ فى أى ساعة بالضبط بدأت الفاجعة؟ هل كان أهل المدينة يعلمون بها ويستعدون لها؟ هل تم تحذيرهم بجدية الخطر؟ كيف تهدمت البيوت؟ لماذا هذا العدد الضخم من الضحايا؟ كيف حدث ذلك بينما فى أمريكا مثلا تضرب الأعاصير كل عام وتدمر ولايات، لكن لا يسقط الآلاف ضحية تلك الأعاصير؟ ثم كيف ابتلع البحر المنازل؟ ما تأثير ضعف البنية التحتية؟ كيف حدث التلوث للمياه الجوفية ومياه البحر؟ ما هى كمية الأمطار التى سقطت؟ هل تعرضت درنة لعاصفة أو لعواصف مماثلة من قبل ومتى ولماذا كان تأثير دانيال مرعبا؟ كيف ولماذا صمد ما يسمى الآن بالبيت الابيض دون الانهيار؟ كم يبلغ حجم الدمار وعدد الضحايا بالضبط؟ هل ارتفاع الأعداد للغرق أم لسقوط المنازل؟ كيف يمكن إعادة الأعمار وكم من الوقت والتكلفة يستغرق الأمر؟
** نشرت البى بى سى تقريرا فى 13 سبتمبر الحالى، عن انهيار السدين وأسباب الانهيار وجاء فى التقرير أن درنة تعرضت لسلسلة من الفيضانات، فى أعوام 1941 و1959 و1968. لكن فيضان عام 1959 كان الأشد وقعا على المدينة، وأشارت دراسات فى ستينيات القرن الماضى إلى أنه ينبغى بناء السدود لحماية المدينة من الفيضانات. وبالفعل بنت شركة يوغسلافية السدين فى السبعينيات، وأطلق على السد العلوى اسم سد البلاد، بسعة تخزين تبلغ 1.5 مليون متر مكعب من المياه، فى حين أن السد السفلى، سد أبو منصور، كان بسعة تخزينية تبلغ 22.5 مليون متر مكعب وبنى السدان بقلب من الطين المضغوط مع درع محيط من الحجر والصخور. وعانت درنة من الفيضانات فى عام 1986، لكن السدود نجحت فى إدارة المياه لتجنب إلحاق أضرار جسيمة بالمدينة.
** تلك تفاصيل مهمة. ويكتمل تقرير البى بى سى بنشر ورقة بحثية نشرت العام الماضى، قال فيها عالم الهيدرولوجيا عبدالونيس عاشور من جامعة عمر المختار الليبية إن الفيضانات المتكررة فى الوادى، تشكل تهديدا لدرنة. وأشار إلى حدوث خمسة فيضانات منذ عام 1942، ودعا إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة الدورية للسدود.. وتلك إضافة للتفاصيل. ** تغيب التفاصيل عن الصحافة العربية باستثناء حالات نادرة، تغيب الدقة والأرقام ويغيب الوصف، ورسم المشاهد التى لا تراها عدسة الكاميرا. وتلك التفاصيل لا ترصدها كادر الكاميرا فى التليفزيون، ولا عدسة موبايل مع مواطن. والنتيجة أن الكثير مما نحتاجه من معارف ومعلومات يمكن أن نقرأها بلغات أخرى، نقرأها عن درنة، وعن زلزال المغرب وعن حريق حفل زفاف فى قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى بالعراق، وعن حروب تقع فى بلاد العرب وعن قواعد روسيا وأمريكا فى سوريا، وعن حروبنا ضد داعش، وعن تهديد الإرهاب فى الصحراء الإفريقية.. والقائمة طويلة، لأننا ننتظر دائما كادر كاميرا التليفزيون، ولا نرى ولا نريد أن نرى أو لانستطيع أن نرى ما وراء الكادر؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درنة والصحافة وما وراء الكادر درنة والصحافة وما وراء الكادر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon