بقلم - حسن المستكاوي
** فى تاريخ كرة القدم مئات القرارات التاريخية لبعض الحكام، وهذه القرارات غيرت نتائج مباريات، ومنحت بطولات لفرق، وسلبتها من فرق، ورغم أن الحكم له عذره لأن قراره يصدر فى غمضة عين، فإنه لا يمكن أن يرضى الجميع، فهو قد يصيب، وقد يخطئ، وهو يحدد مصير مباراة أو بطولة!
** ولا تمر مباراة ولا تمر بطولة دون أن يحاسب الجمهور أو الإعلام أحد الحكام. يحدث هذا فى كل ملعب بالعالم. لكن الحساب فى عالمنا العربى وفى ملاعبنا أعلى وأغلى من أى ملعب آخر ربما تنافسنا ملاعب أمريكا الجنوبية، وما يحدث فيها من جرائم، مثل إطلاق الرصاص على حكم بعد مباراة، ومثل أن يتقدم رئيس نادٍ إلى حكم قبل بدء مباراة ويطلب منه الوقوف دقيقة صمت حدادا، فيسأله الحكم: «من مات»؟ ليرد رئيس النادى: لم يمت أحد لكن فى لحظات الصمت ربما تتذكر ما فعلته مع فريقى فى آخر مباراة قمت أنت بقيادتها!.
** الحكم هو أولى شماعات الهزائم ويليه المدرب. هذا فى ملاعبنا وفى شرقنا الأوسطى. بينما فى العالم تقع أخطاء قاتلة فى بعض القرارات، وربما لا يخضع الحكم للحساب خاصة حين يتعلق الأمر بحالة غش فجة، كما حدث فى مباراة إنجلترا والأرجنتين فى كأس العالم 1986 بالمكسيك، حين سجل مارادونا هدفا بيده واحتسبه الحكم التونسى على بن ناصر. وقد حاسب التاريخ وحاسب الإعلام الغربى مارادونا أكثر مما حاسب على بن ناصر. حاسب التاريخ والإعلام الغش ولم يحاسب الحكم الذى أخطأ. فما فعله مارادونا كان أكبر مائة مرة من خطأ بن ناصر. ودعكم من الإعجاب بمهارات مارادونا وأنه أسطورة، ومن الأسف أن جمهوره ترك الغش وتذكر الانتصار؟!
** الآن مع تطور كرة القدم، وزيادة سرعة اللعب، والمساحات الضيقة، والجوائز المالية، ومع زيادة الرغبة فى توسيع قاعدة المشجعين والأنصار والانتقال بالنادى إلى خارج حدود الدولة وحدود القارة مضت التكنولوجيا بجوار تطور كرة القدم. تطورت الكاميرات، وظهرت تقنية الفيديو المساعد، ولم تسلم غرفة الفيديو من الاتهامات أيضا. فلابد من مسئول مباشر عن الهزيمة إلا اللاعب والفريق. فإن لم يكن هو الحكم، فإنه المدرب والملعب، والحرارة والرطوبة والبرودة، ونقص الأوكسجين، وهكذا. فلن يتهم نادٍ لاعبيه علنا ولن تتهم إدارة نفسها طبعا؟!
** نعود إلى نهائى كأس العالم 1966 فى لندن باستاد ويمبلى، حيث امتدت المباراة بين إنجلترا وألمانيا وقتا إضافيا، بعد أن تعادلتا فى الوقت الأصلى (2/2)، وبعد عشر دقائق سدد (هيرست) قذيفة ارتدت بسرعة خارقة إلى خط المرمى، ثم إلى الملعب، وقفز لاعبو إنجلترا فى الهواء فرحا، وعلا زئير ويمبلى المعتاد، وفى تلك اللحظة بدا الحكم السويسرى (جوتفرايد دينست)، الذى أدار المباراة ببراعة، غير واثق مما إذا كانت الكرة تخطت الخط بأكملها، فتردد فى احتساب الهدف، وجرى إلى مراقب الخط (توفيق باخراموف)، وتبادل معه الإشارات، ثم احتسب الكرة هدفا.
** فى هذه اللحظة اتخذ الرجل قرارا من شأنه أن يكرس أو يدمر جهود أربع سنوات، ولكنه قرار لابد منه، وإلى يومنا هذا ما كان رجل من الحاضرين فى ويمبلى يقبل أن يتبادل مركزه مع الحكم (دينست)، وإلى يومنا هذا لم يثبت العالم كله أن الهدف صحيح مائة بالمائة، وقد ظلت البرامج والصفحات الرياضية تدرس اللعبة سنوات وسنوات، وهو أمر لم يكن متاحا للحكم، لم يكن أمامه ثانية ليفكر. بينما منح النقاد والخبراء أنفسهم سنوات من البحث والدراسة لإقرار صحة الهدف من عدم صحته. فكيف ما زال الجميع يمنحون أنفسهم فرصة التفكير والمشاهدة للعبة عشرات المرات بالسريع وبالبطىء ثم يصدرون فتوى بخطأ حكم أو بصحة قرار حكم.. ألا توجد عدالة فى التفكير؟!
** فى تاريخ كرة القدم أخطاء تاريخية للحكام، وهى أخطاء فى مباريات وبطولات كبرى، ويمكن أن يحاسب الحكم. ويمكن أيضا انتقاد شخصية الحكم، ويمكن انتقاد توافق قراراته مع تقنية الفيديو ويمكن أن يحاسب على الاختباء خلف غرفة الفيديو. لكن ورغم التقدم التكنولوجى المذهل فى التصوير، يظل هناك رجلا فى وسط الملعب، هو الرجل الوحيد فى العالم الذى لا يستطيع أن يقول فى لحظة اتخاذ القرار: (لا أعرف)!
** ضعوا أنفسكم مكان الحكم.. فهل يوجد منكم من يعرف؟!