بقلم - حسن المستكاوي
** تلك المقالات ليست دفاعا عن الصحافة الرياضية، وإنما هى أولا دفاعا عن فكرة وتوضيحا للشك باليقين، ثم إنها إجابة منطقية على سؤال حول حق الصحفى الرياضى فى تحليل مباريات كرة القدم، وقد أشرت إلى أسماء صحفيين إنجليز يحللون مباريات كرة القدم كتابة فى أرقى وأعرق الصحف البريطانية بأسلوب شيق ورشيق، وغنى بالمعلومات وبالثقافة. وهناك عشرات مثلها فى إيطاليا وإسبانيا. فهل المقصود بالتحليل هو الجلوس باستوديو وأمام شاشة وميكروفون أم أنه التحليل فى المطلق بأى وسيلة، مرئية أو مسموعة أو مكتوبة؟
** أظنه التحليل بصفة عامة.. ولذلك أعود مرة أخرى إلى تحليل تناولت فيه مباراة فى كأس العالم 2010، تحت عنوان «أقوى معركة تكتيكية فى المونديال». وكانت المباراة بين البرازيل وتشيلى.. وقلت: كانت المباراة أقوى معركة تكتيكية فى المونديال، بين المدربين دونجا ومارشيللو بيلسا. كانت صراعا على امتلاك الكرة، وعلى المساحة، وعلى صناعة الثغرات، وعلى الاختراق. وبأسلوبين مختلفين. أسلوب برازيلى شديد الحذر والتوازن والدهاء، ويعتمد على المهارات والخبرات. وأسلوب هجومى شجاع، سريع، مصحوبا بحركة كثيرة، تبدو فى بعض الأحيان بلا فائدة!
** تغير منتخب البرازيل. لم يعد كثير التحضير، يتبادل الكرة بعرض الملعب بحثا عن ثقب فى دفاع المنافس، ولم يعد الفريق يلعب الكرة الاستعراضية، التى يعرض فيها اللاعبون مهاراتهم فى محاولة لإبهار المتفرجين وانتزاع آهات الإعجاب. الفريق منذ سنوات يلعب باستحكامات دفاعية، ويستخدم التمرير الطويل والعميق والدقيق لقطع المسافة، واختراق الدفاع المضاد فجأة فى زمن قصير، وبتلك الفلسفة فاز بكأس كوبا أمريكا عام 2007..
** الضغط على الخصم أحد أهم أسلحة تشيلى (تعبير استخدمته قبل 13 عاما)، وكذلك البرازيل. إلا أن مارشيللو بيلسا يرى أن الضغط هو بداية الهجوم. وهو لم يأبه لخبرة البرازيل واسمها، فبدأ المباراة مهاجما، بعدد كبير من لاعبيه، ستة على الأقل، هم ثلاثة مهاجمين، ولاعب وسط والجناحان.. وظل يغير طريقة لعبه خلال اللقاء بين 4/2/1/3 و3/3/1 /3.. فالهدف دائما أن يكون للفريق، أى فريق لاعب واحد زائد فى أى موقع من مواقع الملعب، وفى أى حالة من الحالتين سواء الدفاع أو الهجوم وفى تلك المعركة التكتيكية تفوق دونجا..
** يلعب منتخب البرازيل عادة بثلاثة، رأس الحربة فابيانو، وخلفه روبينيو ناحية الجناح الأيسر، وكاكا خلف فابيانو مباشرة، بينما يترك الجناح الأيمن للظهير مايكون أو لاعب الوسط الذى يلعب أمامه بتلك الجبهة.. وضغط راميريز وساعده روبينيو على لاعب وسط شيلى الأيمن مايريسيو إسلا، وكان روبينيو ينضم إلى الداخل أو يتحرك إلى الجبهة الأخرى (اليمنى)، مما أجهد رقيبه الأساسى كارا، وبين كارا وروبنينو دارت واحدة من أهم معارك المباراة، فكان كارا يتقدم للهجوم فيتركه روبينيو حرا، دون ملاحقة، وعندما تقطع الكرة ويبنى المنتخب البرازيلى هجومه يجد روبينيو خاليا وغير مراقب.. كذلك كان روبينيو بانتقاله إلى الجناح الأيمن أحيانا يشكل مع مايكون ودانى ألفيش زيادة عددية فى الوسط سمحت بتحرك أفضل وأكثر حرية للبديل راميريز.. وزاد دونجا بإضافة لاعب زائد فى الوسط إما يتقدم ليسيو عند امتلاك الكرة، وإما بعودة روبينيو الذى بدا مثل دافيد فيا فى إسبانيا يلعب جهة اليسار، ولا تدرى هل هو لاعب وسط متقدم أم جناح أيسر متأخر.. ويبدو أن منتخب تشيلى لم يعرف كيف يتعامل مع لاعب بهذا التصنيف!
** نجح دونجا فى بناء استحكاماته الدفاعية، فى الخلف، وكان يدافع بسبعة لاعبين دائما، وكان الدفاع محكما وجيدا ومنظما وفى خط الوسط تحديدا الذى كان «البنتاجون» بالنسبة للفريق، والبنتاجون هو مبنى وزارة الدفاع الأمريكية، وهو أيضا إشارة إلى البناء الخماسى، وهذا يساوى الخط المكون من خمسة لاعبين وبناه دونجا فى وسط الفريق البرازيلى.. ونجح دونجا أيضا فى دفع خط دفاعه إلى الهجوم والتقدم عند امتلاك الكرة، لاسيما مايكون وباستوس، فيما تقدم ليسيو فى كثير من الأوقات حرا بلا رقابة من وسط تشيلى....
** المباراة كانت جيدة، واستمرت البرازيل فى البطولة كما يريد أنصارها، وخرجت تشيلى من البطولة وقد كسبت المزيد من الأنصار إعجابا بشجاعة لاعبيها ومدربها..