بقلم - حسن المستكاوي
** يورو هى أوروبا التى تشهد هذا الصيف أهم حدثين رياضيين، الأول كأس القارة فى ألمانيا والثانى دورة الألعاب الأوليمبية فى باريس. وبالنسبة لعشاق الرياضة، هذا عرض صيفى ممتع، سيكون مثل مظلة سلام فى سماء قارة مرتعشة وممزقة، تبعد عن مسرح بطولتها لكرة القدم فى ألمانيا بمسافة 500 كيلومتر حربا ضارية بين روسيا من جهة وبين حلف الناتو وأوكرانيا من جهة. حرب يمكن أن تشتعل وتصل إلى استخدام السلاح النووى التكتيكى. بخطأ أو فى لحظة جنون. هكذا نجد مسرح السلام المتخم بأبطال كرة القدم والرياضة، يوجد فى أحد أركانه برميل بارود، وحركة سياسية مرعبة دعت رئيس فرنسا إلى انتخابات برلمانية مبكرة قد تقود البلاد إلى رئيس وزراء يمينى متطرف، وتهدد مقعد ماكرون نفسه.
** كرة القدم مثل الأوليمبياد حركة سلام عالمية، تنثر البهجة والأمل. ولكن تاريخ اليورو يقول إن الاتحاد السوفييتى فاز بالبطولة الأولى فى عام 1960، وأيامها رفضت إسبانيا الفاشية السفر إلى دولة شيوعية، كأن السلام فى لحظة ما يختبئ أسفل مدرج المصالح والسياسة. وبطولة أوروبا عام 1988 كانت آخر بطولة فى ألمانيا الغربية، وقد كانت مرتبطة بالبريسترويكا، وسقوط جدار برلين، والإصلاحى جورباتشوف والممثل رونالد ريجان. وتتردد فى فنجان اليورو عبارة: «كان ذلك زمنًا مختلفًا».
** اليوم هناك صيحة تبدو مختصرة مثل صيحة طرزان يطلقها الأوروبيون بسبب كرة القدم: «سنكون متحدين فى قلب أوروبا. على مدى أربعة أسابيع». هنا فى ألمانيا 24 منتخبا يمثلهم 622 لاعبا، وسيلعبون ويمرحون ويمتعون ما يقرب من خمسة مليارات مشاهد من عشاق اللعبة، هم مجموع عدد المشاهدين على مدى أربعة أسابيع لمباريات البطولة. وسوف تظل أعينهم مشدودة للشاشات وأذانهم مسدودة عن قعقة الدبابات وطلقات الرصاص فى الشرق، وقلوبهم سوف تنسى شبح النووى التكتيكى الذى يحوم فى سماء الحرب الروسية الأوكرانية.
** لم تعد هناك توقعات مضمونة. وكل التوقعات باتت قراءة فى فنجان، لكن العالم وإعلامه لا يتوقف عن التساؤل: من يصل للمباراة النهائية؟ من يفوز باللقب؟ ما هو الفريق الذى سيفوز بلقب الحصان الأسود؟ من هو الفريق الذى سيكون مفاجأة؟ من هو نجم البطولة؟
** لم تعد التوقعات صادقة مائة فى المائة. لأنه لا يوجد منتخب خوليت وفان باستين هولندا 1988، ولا منتخب تشافى وإنييستا إسبانيا 2012، ولا يوجد منتخب ألمانيا بطل كاس العالم 2014. لكن الترشحيات اليوم تذهب إلى فرنسا التى وصلت إلى ثلاثة من نهائيات البطولة الأربع الماضية. وتتسع الدائرة حتى تصدق التوقعات لتضم ألمانيا والبرتغال وإنجلترا وإسبانيا. ولا تجد إيطاليا حاملة اللقب فى قلب الفنجان. وهو أمر مدهش. فهل نسيتم صورة ليوناردو بونوتشى وزملائه وهم يحتفلون بالكأس بعد فوزهم بالبطولة فى يوليو 2021 على ملعب ويمبلى؟!
** وسوف تبحث فى أعماق الفنجان عن الفريق الحصان الأسود وسيصيبك الارتباك حين ترى مجموعة من الخيول السوداء، صربيا، والتشيك، وسلوفينيا والنمسا، وتركيا والمجر التى لم تهزم فى التصفيات، وسترى ألبانيا التى تتمتع بالكثير من الخبرة فى الدورى الإيطالى. وستبحث عن بلجيكا حصانك الأسود سابقا ولن تجده ضمن هذه الخيول السوداء التى يخيل إليك أنها تتسابق فى قلب الفنجان؟!.
** من هو نجم البطولة؟ سؤال صعب. لأن هناك الكثير من النجوم، يتقدمهم مبابى، وبيلينجهام، جمال موسيالا، وليروى سانى، وفلوريان فيرتز، تشافى سيمون، سوداكوف، أليكس جريمالدو، جورج ميكاوتادز، بنجامين سيسكو، وغيرهم. وسوف تصيبك الحيرة.. ولكن عليك أن تدرك جوهر كرة القدم وحقائقها وتطورها وأسرارها. والبداية هى ألا تصدق قارئ الفنجان. لما يلى:
• مباراة واحدة فى مجموعة تشهد مفاجأة يمكن أن تقلب الترشيحات.
• اللعب فى التصفيات غير اللعب فى النهائيات.
• طريق المنتخب المرشح فى البطولة. فإما يكون وعرا لا يسمح بصدق الترشيح أو سهلا يقوده للقب.
• هناك فارق هائل بين لاعب يبدع مع فريق ناديه فى مسابقة محلية، وبين لاعب يدخل منتخب بلاده ويخوض بطولة قوية مع منتخبات مصنفة أوروبيا وعالميا.
• المجر التى لم تهزم فى التصفيات قد تهزم فى البطولة. ومنتخب ألبانيا المسلح بخبرة الدورى الإيطالى، قد لا يجد هذه الخبرة لو تخيلنا أنه واجه إيطاليا فى يوم من الأيام.
• لم تعد التوقعات صادقة مائة فى المائة.. وهذا زاد من متعة كرة القدم. استمتع بكرة القدم. واترك لعبة الفنجان؟!