بقلم - حسن المستكاوي
** فى 11 يناير الماضى أشرت هنا إلى أن دائرة الترشيحات فى كأس الأمم الإفريقية متسعة، لأنه من الصعب وضع منتخب واحد كمرشح للفوز باللقب. أو وضع ترتيب للثلاثة الأوائل أيضا، ووصل الأمر فى النهاية إلى أن الدائرة تضم 9 منتخبات، المغرب والسنغال وكوت ديفوار ومصر، والكاميرون ونيجيريا وتونس، والجزائر، وجنوب إفريقيا، وغانا. ولم يكن ضمن المرشحين للقب، أنجولا أو موريتانيا أو مالى أو الرأس الأخضر (كاب فيردى) أو غينيا الاستوائية أو مالى، أو الكونغو الديمقراطية. وانتهى الأمر بخروج 8 منتخبات من دائرة اللقب، وبقاء نيجيريا وكوت ديفوار، وهما فى النهاية من القوى التقليدية فى إفريقيا..
** الترشيحات استندت إلى مشاركة 12 بطلا سابقا فى البطولة، وعلى تصنيف الفيفا، والألقاب السابقة، والنجوم، والقيمة التسويقية، وأرقام ونتائج ما قبل البطولة، وقد سقطت كل تلك النظريات، وعاشت نظرية واحدة، وهى أن المفاجآت واردة فى المباريات، لكنها نادرة عند بوابة اللقب، ففى المباريات يمكن أن تلتهم أسماك السردين أسماك القرش، لكن فى النهاية تلتهم القروش الجائزة. وهذا يحدث غالبا فى جميع البطولات، فى كأس العالم، وكأس أوروبا وكوبا أميركا، وفى آسيا وإفريقيا، باستثناء حالات نادرة جدا، ويمكن أن تراجع سجل الأبطال فى تلك البطولات على مدى تاريخها.
** قال باتريس موتسيبى رئيس الكاف أن هذه البطولة هى الأفضل فى تاريخ المسابقة. لأن المنتخبات الصغيرة تطورت بينما لم يتراجع مستوى المنتخبات الكبيرة. وكان موتسيبى محقا فى العموم، لكن هذه البطولة شهدت العديد من المفاجآت، سواء فى نتائج مباريات، أو فى صدارة مجموعات، أو فى التأهل لدور الستة عشر وباقى الأدوار. ومن تلك المفاجآت طريق كوت ديفوار ذاتها التى تأهلت للنهائى، لدرجة أنها تأهلت لدور الستة عشر بمعجزة، وبحسابات لم تكن واردة، تشبه معجزة موزمبيق مع منتخب مصر، كما أن الفريق هزم السنغال بركلات الترجيح، وهزم جنوب إفريقيا بركلات الترجيح. وكانت المفاجآت وأهداف الوقت الضائع وما فى المباريات من دراما من أسباب قوة ومتعة البطولة، مثل أى فيلم سينمائى، لا تعرف نهايته، وفى السيناريو خصمان على نفس القدر من القوة. لكن ماذا تغير أصلا فى البطولة؟
** هناك مهارات تقليدية وأساسية مثل التكتيك، والخطط، والضغط العالى، وتقارب خطوط الفريق واللعب كتلة واحدة. لكن ما حسم الكثير من المباريات حقا هو اللياقة البدنية، وقوة الأجسام، والسرعات العالية، فكثير من المباريات شهدت أهدافا فى الوقت الضائع وكثير من المباريات امتد إلى 120 دقيقة. وكان من ضمن المهارات ــ إن جاز التعبير ــ النضال والكفاح والحماس الهائل الذى وقود بعض الفرق مثل مورتانيا وكاب فيردى، وغينيا الاستوائية، وأنجولا. وتجلت شخصية المدرب فى أداء بعض الفرق، ومنها الكونغو الديمقراطية، فقد اهتم المدرب الفرنسى ديسامبر بتحفيظ لاعبى المنتخب كلمات النشيد الوطنى لبلدهم، ومن خلال الواتس أب، قبل انطلاق البطولة. وحرص على إنشاد النشيد معهم، كما حمس لاعبيه قبل مباراة المركز الثالث والتى خسروها أمام جنوب إفريقيا، على الرغم من أن الكونغو كانت الأفضل. وشخصية المدرب قضية مهمة وطويلة، تستحق أن نضعها دائما فى الحسبان. وكنت أردد كثيرا أن شهادات الخبرة وحدها لا تكفى.
** لقد أنفقت كوت ديفوار مليار دولار تقريبا من أجل بطولة كرة قدم تستمر لمدة شهر. من المستحيل التأكد بالضبط من المبلغ الذى تم إنفاقه على الملاعب وعلى البنية التحتية الأوسع مثل الطريق المؤدى إلى سان بيدرو أو الجسور فوق بحيرة إيبرى لاجون فى أبيدجان. ولكن مع خروج مئات الآلاف من الإيفواريين إلى الشوارع للاحتفال بعد التأهل للنهائى، فى ياموسوكرو، وفى بواكى، وفى أبيدجان، فى جميع أنحاء ما كان حتى وقت قريب بلدًا يمزقه الصراع، ربما يعتقد الرئيس الإيفوارى، الحسن واتارا، أنه حصل على قيمة أمواله.. وربما، وهو الأهم، أن كرة القدم يمكن أن تقدم لشعبها السعادة ولو لفترة وجيزة، وكل شعوب العالم دون استثناء، من اليابان وكوريا إلى أمريكا وفرنسا، ومن جنوب إفريقيا إلى ألمانيا، تنتظر مثل هذه الفترة، التى تمس كبرياء الأمة..