بقلم - حسن المستكاوي
* 19 ميدالية أوليمبية حققتها الرياضة المصرية فى الفترة من 2004 حتى 2020، ولأول مرة تحرز البعثة ميداليات فى خمس دورات متتالية، وبالطبع لا يناسب هذا الرقم دولة كبيرة مثل مصر مارست الرياضة منذ أكثر من مائة عام، لكن الرقم يشير إلى تطور نسبى وهو أفضل من حالة التوقف التى كانت فى الفترة من 1960 حتى 1984. فترة لم تعرف فيها الحركة الرياضية المصرية سوى ميدالية رشوان الفضية فى الجودو. ويصاحب تلك الأرقام سيطرة مصر على بطولات العالم فى الإسكواش، ونتائج بعض السباحين المصريين فى الجامعات الأمريكية وفى بطولات العالم للسباحة بجانب اقتحام بطولات العالم فى السلاح والخماسى، بجانب كرة اليد والمصارعة ورفع الأثقال، وهنا تتجلى ظاهرة الأخذ بالعلم وبناء وتأسيس مراكز المواهب والانتقاء والأخير علم رياضى عميق له تأثير فى صناعة الأبطال، وذلك بالتدريب الجاد الذى يصل إلى حد القسوة والحرمان من مباهج الحياة، والأهم أن الرياضة يجب أن تكون مشروع دولة، وأضع فى الحسبان الأولويات، وقد تكون ممارسة الرياضة للبطولة رفاهية لا نملكها سوى فى أضيق الحدود.
** إن التغيير والتطوير عملية مستمرة لا تتوقف أبدا ولا يجب انتظار فشل أو انتظار أزمة فالتغيير مثل مياه نهر النيل الجارفة المتجددة كل عام والقادمة من أعلى هضبة الحبشة ليفيض النهر وتروى وتزداد خصوبة الأرض!
هكذا آن الأوان لكى نبدأ ونضع أولويات ونطرح الحلول الممكنة وليس الحلول المستحيلة.. وآن الأوان لأن نفكر هل نستطيع الإصلاح الشامل الجذرى الذى يحتاج إلى إمكانات هائلة لا نملكها فنصاب بالعجز واليأس أم نفكر فى خطوات إصلاحية تبدو صغيرة لكنها تعطينا بعض الأمل فى المستقبل؟! أعتقد أن المشروع الرياضى الحالى اختار الحل الممكن وليس الحل المستحيل والذى يطالب به البعض دون إدراك أنه مستحيل، ومن ذلك شعار عودة الرياضة إلى المدارس كسبيل لصناعة الابطال، ومن يرفع مثل هذا الشعار الآن إما واهم، أو متاجر بكلام، أو جاهل بالفارق بين المدرسة والجامعة الأمريكية وهى نبع الأبطال، بينما المساحة فى المدرسة المصرية تحتاج إلى الفصل وليس إلى الملعب. لكن الرياضة كثقافة حياة أمر هام وتستطيعه المدرسة، وتلك حكاية مختلفة.
** فى مطلع القرن العشرين شهدت الحركة الرياضية عملية تمصير شملت كل الاتحادات لكن الرياضة ظلت كما هى ومنذ عرفها المصريون فى نهاية القرن التاسع عشر مجرد نشاط فردى وفطرى يمارسه القلة فى أندية معظمها تخضع لادارات أجنبية وبرغم ذلك حققت مصر العديد من الانجازات الفردية على المستوى الأوليمبى والعالمى.. وعند مرحلة التمصير ضاعت أول فرصة للإصلاح والتطور ومواكبة العصر حيث انشغل المصريون بنفض غبار الاحتلال الأجنبى للرياضة بدون ترسيخ مفاهيم الممارسة الرياضية وتطوير وسائل التدريب وإعداد الأبطال.
** وقبل ثورة يوليو 1952 كانت الرياضة نشاطا فرديا بلا تخطيط عام وكان النشاط الرياضى وهيئاته تتولاه وزارة المعارف (التعليم) وتولت أكثر من مصلحة حكومية تبادل الاشراف على هيئات ونشاط القطاع الأهلى دون وجود أى تنسيق على مستوى الدولة. وفى عام 1952 بعد أشهر قليلة من ثورة يوليو شكلت لجنة لتصفية اللجنة الأوليمبية القديمة من ثلاثة وشكلت لجنة للتربية الرياضية ولجنة للتشريع الرياضى التى استرشدت بتقرير الخبير الفنلندى فاينبرج. وفى عام 1953 أعيد تشكيل اللجنة الأوليمبية برئاسة حسين الشافعى ثم تولى رئاستها محمد توفيق عبدالفتاح ثم محمد طلعت خيرى وزير الدولة للشباب.
** لكن ماذا حدث بعد هذا؟ هل كانت رياضة الممارسة ورياضة البطولة هدفا ومشروعا عند الدولة أم أن ظروف العصر والمجتمع الدولى، والمعارك التى خاضتها الدولة أم أن كل هذا وغيره أدى إلى توقف المشروع الرياضى العلمى والجاد؟!