بقلم - حسن المستكاوي
** الرياضة ليست كرة قدم فقط، وقد حدث تطور مهم فى الحركة الرياضية المصرية بصفة عامة، حيث أحرزت مصر 19 ميدالية أوليمبية فى آخر خمس دورات على التوالى بداية من أثينا 2004، وبكين 2008، ولندن 2012، وريودى جانيرو 2016، وطوكيو 2020. وتنوعت الميداليات، فتحققت فى لعبات التايكوندو والكاراتية والملاكمة، والمبارزة، والخماسى الحديث بجانب المصارعة ورفع الاثقال. وحقق أبطال الألعاب الفردية نتائج جيدة فى بطولات العالم، فى السباحة والرماية والسلاح، وكرة اليد. وامتد التطور فى تنظيم واستضافة بطولات كبرى سواء على المستوى الإفريقى أو العالمى.
** خريطة الميداليات الأوليمبية المصرية، وهى أرقى المنافسات الرياضية، تشرح وحدها، مسيرة الرياضة فى مصر منذ مطلع القرن العشرين، وقد صنع رواد الرياضة المصرية الإنجازات والميداليات فى مطلع القرن العشرين فأحرزوا 17 ميدالية فى الفترة من أمستردام 1928، إلى روما 1960 وللإنصاف يجب أن نشير إلى أن الزمن الذى حققت فيه مصر تلك الميداليات كانت المقاييس فيه مختلفة، فالبطولة صنعتها المهارة والقوة الفطرية للبشر، والرغبة فى إثبات الذات والنجاح فى سن الشباب، ووجود الفرصة للممارسة فى المدرسة، كما لم يكن العالم قد انغمس بعد فى الأساليب العلمية فى الإعداد والتدريب لصناعة البطل، وهى أساليب شهدت تطورا مذهلا بدءا من حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، ليبدأ الإنسان التحدى الحقيقى ضد الزمن والمسافة والثقل، وهذا فضلا عن ضيق قاعدة المنافسين
ونضرب مثالا بالبطل الأوليمبى الرباع السيد نصير صاحب أول ميدالية أوليمبية مصرية وحققها فى دورة أمستردام 1928 فى رفع الأثقال.. ونظم من أجله أمير الشعراء أحمد شوقى قصيدة قال فيها:
« إن الذى خلق الحديد وبأسه
جعل الحديد بساعديك ذليلا
لم لا يلين لك الحديد ولم تزل
تتلو عليه وتقرأ التنزيلا
قل يا نصير وأنت بر صادق
أحملت إنسانا عليك ثقيلا»
وللقصيدة بقية لكنها تعكس صورة الزمن الذى يجعل شاعرا مرموقا مثل أحمد شوقى ينظم قصيدة من أجل بطل، وقد ألقى بها جعفر والى باشا رئيس النادى الأهلى فى حفل تكريم السيد نصير الذى سجل رقما عالميا فى وزنه قدره 162,5 كيلو جرام نطرا فى 26 يناير سنة 1930 ثم سجل 165 كيلو جراما وفى نفس السنة سجل 127، 5 كيلوجرامات خطف، و167 نطرا.
وظهرت موهبة وقوة السيد نصير الفطرية عندما شارك فى حمل بالات القطن الثقيلة لتحميلها على الجمال فى قرية شوبر بطنطا وقد أخذ يتأمل ويتعلم من حركة الجمل وطريقته فى النهوض بالأثقال التى يحملها. وكان السيد نصير أحد تلاميذ القسم المخصوص فى مدرسة طنطا الابتدائية الذين يرجع اختيارهم إلى أجسادهم القوية الرشيقة، ولمع فى رياضة الجمباز، ثم تحول إلى رفع الأثقال فى مدرسة طنطا الثانوية متأثرا بأحد أبطال طنطا فى ذلك الوقت وهو عبدالحليم بك المصرى الذى اشتهر باستعراضه فى الاحتفالات بمولد السيد البدوى. وكان مصدر إعجاب فتيان وشبان المدينة. ومع الموهبة والقوة الفطرية وانضمامه للقسم المخصوص فى المدرسة وجد نصير مدربا فاهما ساعده على تحقيق المزيد من التقدم وهو الأستاذ محمد بسيونى فى النادى الأهلى..وعندما فاز نصير بالميدالية الذهبية أرسل مراسل الأهرام الخاص يوم 29 يوليو 1928 برقية يقول فيها: «فاز السيد نصير المصرى على أبطال العالم فى حمل الأثقال، فكان بطل العالم الأول بأرقام مدهشة وتفوق على 17 حمالا».
لم يكن السيد نصير بطلا مصنوعا ولكنه كان بطلا بالموهبة الفطرية والإرادة الشخصية شدته حركة نهوض الجمل بأثقاله، وساعدته مدرسته بقسمها المخصوص ثم ناديه الأهلى ولم يكن يهدف إلى جمع المال لكنه ناضل من أجل التفوق، والتميز عن غيره من الشباب بالبطولة والقوة.. وقبل هذا وذاك كان السيد نصير مصريا وطنيا أدرك أن رفع علم بلاده فى المحافل العالمية يمثل انتصارا للحركة الوطنية المصرية التى كانت تموج بها البلاد، ولم يكن هذا الجيل من الرواد يعرف سوى تحدى النفس والذات والنضال، ولم يكن هذا الجيل من الرواد يعرف كلمات من نوع: «تأمين المستقبل»، وإنما كانت مصر عنده هى المستقبل..
وللحكاية بقية.. إن شاء الله