بقلم - حسن المستكاوي
** البحث عن الترند قتل المحتوى فى النشاط الرياضى، وقد أصبح المحتوى إقامة محاكم تفتيش، ومناقشة سلوكيات غير رياضية، والبحث عن سلوكيات قديمة. ويتطور المحتوى إلى تحليل صفقات الأندية فى فرق كرة القدم، وطرح مقارنات حول نجاح أندية وفشل أندية، مع تقييمات فنية لصفقات لم تبدأ بعد ولم تلمس الكرة مع فريقها الجديد.
** ومعروف أن فاعلية النشاط الرياضى ترتبط بالمستوى، ودرجات التفوق والإنجاز والإبداع، شأن الأنشطة الإنسانية الأخرى مثل الفن والثقافة والاقتصاد والصناعة والسياسة وغيرها. وفى مجال الرياضة التى تحظى باهتمام عام وجماهيرى واسع، شهدت حقبة التسعينيات قفزة تليفزيونية تواكب هذا الاهتمام. فلا تخلو محطة «أرضية محلية. أو فضائية» من المباريات والبطولات والبرامج التحليلية. والوثائقية. كان ذلك قبل ظهور وسيطرة مواقع التواصل الاجتماعى، حيث أصبح المحتوى الذى يقدم مثل الوجبات السريعة، يشبع، ولا يهضم. وأصبح الجمهور مسيطرا على المحتوى.
** يريد المتلقى الآن من الصحفى ومن المحلل ومن مقدم البرنامج أن يكون فى فريقه، أن يكون معه فى صفه، أن يسرد أخباره، وأن يرى انتصاراته وأن يدافع عن هزائمه أو يبررها، وعلى الرغم من تلاقى رغبة النقد عند المشجع مع كلمة النقد أحيانا، فإن ذلك يكون أمرا وقتيا، لأن المشجع سريع التحول والاشتعال وينسى، بينما الناقد أو المحلل يرصد لحظة ومباراة وسلوكا وموقفا، وهو أمر يمكن أن يختلف فى مباراة أخرى أو موقف آخر أو سلوك جديد حميد. وليس ذلك تغييرا فى رأى الناقد أو المحلل ولكنه تغيير فى الحدث والسلوك. ففريق يقدم فى مباراة أقوى كرة قدم مثلا، ثم يعود ويتأخر فى مباراة أخرى. لذلك حين يخسر ليفربول بسبعة أهداف يعلو صوت النقد، وحين ينتصر بأربعة أهداف يعلو صوت الإشادة، والأمر نفسه للاعب والمدرب.
** الرياضة ليس 90 دقيقة فى مباراة كرة قدم، ولكن فى الرياضة إبداعات فردية فى لعبات أخرى ومنافسات تتجلى فيها القدرة البشرية. وفى الرياضة قضايا تستحق النقاش، سواء قضايا التكنولوجيا والعلوم، أو سواء قضايا القدرة البشرية والأرقام، أو سواء تقييم المشروع الرياضى العام وأثره ومستقبله. ويمكن على سبيل المثال تقييم تفوق الصين فى السباحة على حساب أمريكا وروسيا. ويمكن تحليل غياب الميداليات المصرية فى بطولات العالم للسباحة بينما تتحقق ميداليات أخرى فى لعبات أخرى جديدة فى تاريخ الحركة الرياضية المصرية، مثل السلاح والإسكواش والرماية والخماسى والكاراتيه والجودو والتايكوندو بجانب المصارعة ورفع الأثقال.. أليس هذا كله ضمن المحتوى؟!
** للأسف الثقافة الرياضية المصرية والعربية. هى ثقافة كرة القدم. وهذا من جهة المشاهدة ومن جهة الممارسة. لكن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية يلعب التنس 20 أو 30 مليون لاعب ولاعبة. وفى الوطن العربى من الماء إلى الماء يلعب التنس 30 ألفا أو 40 ألف لاعب. وهذا يسير على السباحة والجمباز والفروسية التى نمارسها بمنطق امرؤ القيس. ولا نمارسها بمفهوم المنافسة والبطولة فى القفز والترويض!
** المستويات العالمية والأوروبية المحلية فى كرة القدم وألعاب القوى والسباحة. وفى كل اللعبات يجعل الإعلام الرياضى بكل محطاته وبرامجه يلهث ويتسابق ويتنافس من أجل الفوز بالنقل والتغطية مدركا أن العائد المادى سيكون مضمونا من الإعلانات ومن نسبة المشاهدة. يقابل ذلك مستوى رياضى عربى عام متواضع، ويكفى المقارنة بين مجموع ميداليات أمريكا فى الألعاب الاولمبية ومجموع الميداليات العربية. مع التقدير للاستثناء.
** وبناء على هذه الحقائق نجد أن المادة الرياضية الأساسية المقررة فى الصفحات والمحطات العربية هى كرة القدم. وسط سيطرة مبالغات مذهلة للفوز وللهزيمة، ولكل لعبة وتمريرة، ومبالغات لمفهوم المهارة، ولكلمة البطولة. وعند تصدى المحطات العربية لبعض البطولات والمباريات العربية تسود المجاملة وتتوه الحقيقة الفنية من أجل تعبير الأشقاء، وهو امر لا تراه عند الاشقاء الأوروبيين. والسائد على المستوى العربى هو تحول التحليل الفنى إلى بحث حثيث عن مبررات لأخطاء فنية ولتواضع المستوى!
** المحتوى الرياضى العربى فى أشد الحاجة إلى المراجعة والتغيير والتطوير. والبداية حتمية بالخطاب الإعلامى!