بقلم - حسن المستكاوي
** لم أعترف أبدا بالمقارنات بين أبطال، وبين أزمنة، وبين أشخاص اختلف زمنهم وظروف عصرهم، وبين لاعبات وبين لاعبين. فلكل زمن نجومه وأبطاله ورجاله وظروفه. ومن نغمات هذا العصر أن الرياضة فقدت براءتها، لم تعد تمارس كهواية. وأذكر أنه عندما تقاضى سباستيان كو مكافآت كعداء فى الألعاب الأوليمبية قامت الدنيا ولم تقعد فوق رأسه بسبب هذا المال. لكن هل الاحتراف هو المال، وهل هو كم تقبض أم أن الاحتراف يعنى التميز والتفرد والاتقان والإبداع؟!
** كثيرون يرون أن لاعبى اليوم مجرد آلات يتدربون، ويتوجهون إلى صالات الجيم، ويرفعون من لياقتهم البدنية ولكنهم يفتقدون للمهارات، وهم يستندون على تكنولوجيا متطورة، وأن ذلك أفقد الرياضة الكثير من أوجه الجمال.
** هذا كله غير صحيح. ما تغير هو شكل الجمال. فالأداء الجماعى فى كرة القدم يمثل قمة الدقة والإبداع والجمال. وليس صحيحا أننا نفتقد كرة زمان وأرى أن مباريات الستينيات تدعو إلى التثاؤب، بإيقاعها البطىء، وبمساحتها الواسعة. وهى كانت لعصرها، وليس للعصر الحالى. وتلك قضية تسرى على الفن والأدب والسينما وغيرها من أوجه الحياة.. فالرياضة بالدرجة الأولى صراع على الإيقاع وهو بدوره موجود فى السينما والغناء والفن والأدب وفى الحياة أيضا.
** أن سرعة الإيقاع فى مباريات العقد الحالى من القرن الحادى والعشرين وثقافة التحرك بالكرة وبدونها، فى مساحات ضيقة، وفى إطار ضغوط من الخصم، وفى كمية الجرى الهائلة جعلت كرة اليوم غير كرة الأمس. حتى الغناء والفن. فهل الجيل الذى عاش المغنى صالح عبدالحى أو عبده الحامولى يهضم أداء رائد الأغنية المصرية الشيخ عبدالرحيم المسلوب فى نهاية القرن الثامن عشر. حتى فى الأدب. ألم يتغير إيقاع الكتابة ومضمونها؟
** أعود إلى سؤال الاحتراف.. فهو عمل لا يتعارض أبدا مع هواية العمل أو حب هذا العمل.
وأفسح المجال هنا للاعب آرسنال الأسبق ومنتخب فرنسا تيرى هنرى الذى قال قبل سنوات وقبل الاعتزال والاتجاه للتدريب: «كرة القدم ليست مهنة ولكنها عاطفة»
Football is not aprofession but a passion.
وأضاف هنرى:
** «عندما أكون فى المنزل لا أترك الكرة، وإنما ألعب بها. تعلمت ذلك منذ طفولتى، وأعرف أننى سأتوقف يوما عن ممارستها وسأفتقد المباريات الكبرى، وغرف الملابس، وصيحات الجماهير. ولذلك أستمتع بالكرة الآن فى كل دقيقة. وكثيرون يمارسون اللعبة ولا يستمتعون بها. لم أفكر أبدا فى الفوز من أجل المكافآت، لكننى تعلمت الرغبة فى الفوز منذ طفولتى، منذ كنت ألعب مع أصدقائى فى منتزة الحى. وكنت أخسر مباراة، وأعود وأفكر فى الفوز فى المباراة التالية».
** كان سحر منتخب البرازيل قديما أنه يلعب كرة القدم بفرحة وتلقائية تشعر بسعادة لاعبيه باللعب وباللعبة.. فكانوا يلعبون ويمرحون، ببهجة وتلقائية، بينما ترى العديد من اللاعبين يلعبون الآن بغضب، وبضيق، وبصبر على البلاء الذى هو المباراة.
** الاحتراف لا يعنى غياب الإبداع.. وزمن الكرة الجميلة لم ينته.. نحن الآن فى زمن كرة أجمل من تلك التى كانت!.