بقلم - حسن المستكاوي
** قال مدرب المغرب وليد الركراكى: «إقصاء مصر لا يهمنى، بالتأكيد نشعر بالحزن بسبب خروجهم لأنهم فى نهاية المطاف هم أشقاء.. ما يهمنى هو المغرب. وشخصيا لا نفكر فى تلك القضية باللعب من أجل راية العرب.. نحن نلعب من أجل المغرب»..
هذا كان جزءا من تصريحات الركراكى، وهناك جزء مهم آخر حيث قال أيضا: «إننا فى منافسة إفريقية ولا يجب أن تكون المنافسة والتشجيع معتمدة على العرق واللون لأن هذا عكس ما تمليه الروح الرياضية»..
** فى سياق المنافسة الرياضية، لم يكن الراكراكى على خطأ فلا عنصرية ولا لون ولا دين ولا سياسة أيضا فى ميادين الرياضة. وهذا صحيح، ولا يستحق غضب الكثيرين الذين اعتبروا فوز جنوب إفريقيا انتصارا لهم. وهذا أيضا عكس روح الأشقاء، والروح الرياضية. إنما المهم هنا أنى من جيل تربى على فكرة:
«كل أخ عربى أخى». وطوال فترة عملى زرت كل الدول العربية، مرة ومرات، وكم كانت سعادتى فى أيام الشباب وبدايات العمل أن أقابل أناسا يبعدون آلاف الأميال لكنهم على نفس لغتى ودينى وعاداتى وتقاليدى، وكم كانت فرحة اللقاء متبادلة، وكم كان الأشقاء فى المغرب وتونس وسوريا والعراق والسودان يرحبون بنا ويفرحون لنا..
** لكنى أسأل الركراكى: «هل شعرت بزلزال الفرح العربى والمصرى أثناء مباريات المغرب فى كأس العالم. هل شعرت بالبيوت والقرى والمقاهى والشوارع والمدن العربية وهى تهتز فرحا بكل هدف وكل انتصار وكل خطوة يخطوها منتخب المغرب فى كأس العالم..؟ مؤكد أنك شعرت بذلك فماذا كنت تسميه؟ هل هى عروبة أم ماذا؟
** نعم كانت فرحة عربية من أجل المغرب، وكل مدرب ومنتخب وطنى عربى يلعب من أجل بلده كما تلعب أنت من أجل المغرب.. لكن يا أخى الفرحة بانتصار المغرب كانت فرحة عربية شاملة. وهى الفرحة نفسها التى هزت القلوب العربية يوم فاز المنتخب السعودى على نظيره الأرجنتينى فى مونديال الدوحة، وهى نفس الفرحة العربية بهدف سعيد العويران نجم منتخب السعودية فى مرمى بلجيكا فى مونديال أمريكا.
** أذكر أن شركة سعودية وجهت الدعوة لمنتخب مصر عام 1990 لأداء العمرة كهدية كريمة من الشركة، بمناسبة تأهل المنتخب المصرى إلى مونديال إيطاليا، وأعتقد أن الشركة اسمها «التيسير»، وكنت مع الفريق فى تلك الرحلة، ولمست مظاهر الفرحة والحفاوة البالغة بالمنتخب المصرى. كانت فرحة صادقة من القلوب، كأنه منتخب السعودية.. فماذا تسمى أنت ذلك؟ هل هى العروبة وراية العرب؟
** الأمر لا يقتصر على منتخبات كرة القدم، فكل انتصار للاعب عربى فى أى لعبة على المستوى العالمى والدولى يحرك مشاعر الفخر العربية العامة، لأننا فى أشد الحاجة لمثل تلك الانتصارات، ونرى أن انتصارات أبطال العرب انتصارات تمسنا كشعوب، ولأننا نعتبر أن كل أخ عربى أخى. فقد كانت فرحة المصريين والعرب كبيرة بنوال المتوكل وسعيد عويطة، ومن قبلهما التونسى محمد القمودى، واللبنانى الطرابلسى، وغيرهم وغيرهم من أبطال الرياضة العربية.
** حين كان منتخب الجزائر يلعب فى القاهرة ببطولة الأمم الإفريقية شجعه المصريون بعد خروج منتخبهم، وعندما كانت بعثة مصر الرياضية تتنافس فى ألعاب المتوسط بالجزائر أخذ أبناء البلد يشجعون الرياضيين المصريين فى منافساتهم. وهكذا روح رياضية. ولا أحب فكرة أنها «عنصرية» أو قومية فى الرياضة.. لأن دولنا حالة خاصة، بالتاريخ والجغرافيا والدين واللغة. وهو أمر لا تجده فى دول الاتحاد الأوروبى..
** كنت دائما اأشعر بالأسف والأسى لأن اللقاءات العربية تشهد اشتباكات وحساسيات غريبة على طبيعة التاريخ والجغرافيا واللغة والدين، وتمنيت طوال عمرى وطوال ممارستى لمهنة الصحافة الرياضية أن تختفى تلك الظاهرة.
** لقد عملت فى الدوحة فى فترة بداية عملى المهنى منذ سنوات طويلة، ويوم قررت العودة للقاهرة، للالتحاق بصحيفة عربية سعودية كبيرة وهى جريدة الشرق الأوسط، قبل الانتقال للأهرام، أذكر أنى بكيت بشدة لأننى سأغادر الدوحة حيث عملت قرابة خمس سنوات، وبكى الكثير من زملائى القطريين لرحيلى، فقد كانوا أهلى وكنت واحدا من أهلهم. وهذه الدموع نادرة فى العالم الغربى.. فماذا تسمى ذلك؟
** أننى أترك دائما دعاة الفتنة، والشقاق، والصراع، ولا أحب الالتفات إليهم. وأفضل أن أظل وأن نظل كما نحن عرب، نرفع راية العروبة، ونحلم بوحدتنا، ومشاعرنا الواحدة. ونفرح بانتصار كل عربى كأنه انتصار لنا.. هكذا شجعنا المغرب وهو يرفع راية العرب فى كأس العالم..