بقلم - حسن المستكاوي
** كانت أفريقيا فى بدايات القرن العشرين قارة تعيش وراء الزمن وفى رحابة من الزمن، كانت قارة بسيطة وبطيئة، مهمومة ومشغولة بصراعها ضد الفقر والتخلف والجهل والاستعمار، وكانت تحكم أرضها الرحبة والواسعة قبائل الماساى والأشانتى والهاوسا والبانتو وغيرها من القبائل، ويعد شعب البانتو من أكبر الجماعات البشرية وأشهرها الموجودة فى أفريقيا. وتضم «البانتو» حوالى 400 مجموعة عرقية مختلفة من أفريقيا. وهى إحدى السلالات الفرعية للسلالة المنتشرة على طول الحدود فى كينيا وأوغندا والكونغو ونيجيريا، بدءًا من السواحل النيجيرية المطلة على المحيط الأطلنطى غربًا، مرورًا بحوض الكونغو وإقليم هضبة البحيرات الاستوائية وكينيا، وانتهاءً بمصب نهر جوبا على المحيط الهندى شرقًا.
** كان رموز القارة جمال عبدالناصر ونكروما وباتريس لومبامبا وحتى هيلاسيلاسى وعيدى أمين. لم تكن القارة تعرف بعد لعبة كرة القدم وأهميتها ودورها الإنسانى.. ثم تغير كل شىء فى النصف الثانى من القرن الماضى. بدأت أفريقيا تهزم التخلف، وتدرك أهمية الزمن، وعاشت حركات تحرر وطنى، ورفضت الاحتلال، وحاربت الاستعمار، وربما تعلمت كيف تحتوى الاستعمار.
** وعلى مدى الزمن ظلت الطبول تدوى وتقعقع فى الغابة، وظل الرقص من أهم وسائل التعبير والاتصال، فشعوب القارة ترقص قبل الحرب وأثناء الحرب وبعد الحرب، وترقص أيضا قبل اللعب وأثناء اللعب، وبعد اللعب.. وهى تواجه الخوف بالرقص، وتتحاور بالرقص، وتقيم الزفاف وسط حفلات الرقص، وتنظم جنائز دفن الموتى وسط حفلة رقص، ومباريات كرة القدم فى أفريقيا عبارة عن حفلة موسيقية، فلا يتوقف دق الطبول وصوت الآلات النحاسية أبدا، ولا يتوقف العزف والغناء أبدا بغض النظر عما يجرى فى الملعب وبغض النظر الفريق ينتصر أو يهزم.
** وقد قال لى المدرب الفرنسى باتريس نوفو حين عمل فى مصر واحد المدربين الكبار الذين عملوا فى أفريقيا وفى آسيا وفى بعض الدول العربية، أن اللاعب الأفريقى يغنى ويرقص قبل أن يخوض مباراة مصيرية وأن اللاعب الصينى لا يكف عن الكلام قبل المباريات المهمة، وأن اللاعب العربى يواجه الخوف والتوتر بالرجاء والدعاء والصلاة بينما اللاعب الأوروبى تراه صامتا شديد التركيز كأنه مقبل على معركة.. وهى فروق جوهرية تعكس الاختلاف بين ثقافات الشعوب، ومن أهم الثقافات كيفية مواجهة التوتر والخوف؟!
** ** انطلقت البطولة رسميا فى 10 فبراير 1957 على الملعب البلدى فى الخرطوم، لكن فكرتها تعود إلى 8 يونيو 1956 عندما اجتمع فى فندق «افينيدا» فى البرتغال المصريان عبدالعزيز سالم ومحمد لطيف والسودانيون عبدالحليم شداد وبدوى محمد وعبدالحليم محمد والجنوب أفريقى فريد ويل ليناقشوا فكرة تأسيس الاتحاد الأفريقى وإطلاق مسابقة بين المنتخبات القارة الأفريقية.
** انطلقت كأس الأمم الأفريقية وسط حركات التحرر الوطنى ومنذ اللحظة الأولى كانت هناك سياسة، وخلال الاجتماع التأسيسى، فى فندق «جراند أوتيل» فى الخرطوم بعد 8 أشهر من اجتماع الفكرة والبداية فى البرتغال وقبل يومين من المباراة الافتتاحية للدورة الأولى فوجئ الحضور باعتراض ممثل دولة جنوب أفريقيا على تمثيل بلده فى البطولة بفريق يمثل كل أطياف الدولة من الشعب، وأنه يريد أن يلعب البطولة بفريق من البيض فقط.. حيث كانت جنوب أفريقيا فى ذلك الوقت تتبع سياسة الفصل العنصرى، وهى السياسة التى كلفتها الحرمان من المشاركة فى المحافل الدولية الأفريقية والعالمية لفترات طويلة لاحقا.
** وإزاء هذا التعنت من مندوب جنوب أفريقيا، وإصراره على موقفة فى لعب البطولة بفريق من البيض، ظنا منه أن البطولة لن تقام بثلاث منتخبات فقط.. فكان القرار الجرىء من رئيس الاتحاد الأفريقى عبدالعزيز سالم بالاتفاق مع ممثلى الاتحاد السودانى والإثيوبى باستبعاد جنوب أفريقيا من البطولة، وإقامتها بفرق المنتخبات الثلاث المتبقية فقط.
** كانت المباراة الأولى بين السودان ومصر التى أسفرت عن فوز منتخب مصر 2/1 ونال رأفت عطية شرف تسجيل الهدف الأول فى النهائيات. وسجلت مصر اسمها كأول دولة تحرز اللقب بفوزها على إثيوبيا فى المباراة الثانية 4/صفر سجلها جميعها محمد العطار الملقب بـ«الديبة». وكان يقود المنتخب المصرى فى ذلك الوقت المدرب الوطنى مراد فهمى ليسجل نفسه كأول مدرب مصرى ووطنى يحقق اللقب فى تاريخ البطولة.
** ومن المفارقات التاريخية أن السياسة والساسة صنعوا منتخبات قوية وأندية قوية فى الستينيات من القرن العشرين.. وتلك حكاية أخرى.